الجمعة ٤ يوليو ٢٠٢٥ الموافق ٩ محرم ١٤٤٧ هـ

الوعي: درع الأمة ونور الخلود – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

الوعي: درع الأمة ونور الخلود – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

إذا أردنا إيراد تعريف للوعي يتجاوز السطح إلى الأعماق، وليس مجرد العلم المسبق بالأمور قبل وقوعها، فهو تلك الشرارة الإلهية التي تُضيء العقل البشري ليرى ما وراء الظواهر، ويستشرف ما يُخفيه الزمن من خفايا ومكائد، فهو الحصن المنيع الذي يقي الفرد والمجتمع من شرور المؤامرات والفتن التي تتربص بالشعوب لتفتيت وحدتها وتدمير كيانها، وهو أيضا أكثر من ذلك: إنه تلك اللحظة الفلسفية التي يدرك فيها الإنسان وجوده كجزء من كلٍّ أعظم، ويصبح قادرًا على التسامي فوق الفوضى ليصنع مصيره بيده.

وفي هذا السياق نتحدث قليلًا عن الشعب السعودي العظيم أصحاب الوعي العالي والنظرة الثاقبة والفؤاد المستقر، الشعب الواعي الذي تتجلى من خلاله اللحمة الوطنية بين الشعب وقيادته كنموذج حي يمثل صخرة الوعي التي تحطمت فوقها كل الدسائس والمؤامرات وحالت دون وصول العبث والفوضى إلى بلادنا المباركة، ومنعت عنها أيادي الغدر والخيانة التي أصابت العديد من البلدان، فهذا التلاحم لم يكن وليد لحظة عابرة، بل هو ثمرة وعي عميق متجذر في مبادئ الدين الحنيف والعادات والقيم الأصيلة للعربي الأصيل الذي لا يرضى الضيم ولا يقبل الخيانة.

وبلادنا التي تعرضت وتتعرض دومًا للكثير من المكائد والمحاولات لتفتيت وحدتها تقاوم بقوة هذا الوعي الراسخ فكل تلك المؤامرات تتكسر واحدة تلو الأخرى أمام ارتفاع وعي الشعب السعودي الذي يكشفها ويئدها في مهدها لأنها تمثل في عقيدتهم غثاء كغثاء السيل لا قيمة له ولا وزن، وما حصل في بعض البلدان المجاورة من فوضى وتفكك كان لبنة مؤثرة في تعزيز هذا الوعي لدى الشعب السعودي، إذ شاهدوا بأعينهم كيف يمكن «للغفلة» أن تفتح الأبواب للتخريب، فزادهم ذلك يقظة وحرصًا على حماية وطنهم.

لكن الوعي هنا يتجاوز مجرد رد الفعل إلى بُعد فلسفي أعمق فهو ليس فقط أداة للحماية بل هو طريق إلى الخلود كما رآه الفيلسوف هيغل من أن الوعي هو الروح التي تتحقق عبر التاريخ.

فالشعب السعودي، بتمسكه بقيمه ووحدته، لا يقاوم التخريب فحسب بل يؤسس لوعي جمعي يتجاوز الزمن، يجعل من الأمة كيانًا لا يُمحى من ذاكرة التاريخ، فالشعب بوعيه الشخصي يرى في قيادته امتدادًا لمبادئه وهويته، فيما ترى القيادة في شعبها السند الحقيقي الذي يرفع الوطن فوق العواصف، وهكذا يصبح الوعي سلاحًا مزدوجًا يحمي من الداخل ويردع من الخارج لكنه أيضًا نور يُضيء الطريق نحو المعنى.

ففي ظل الفوضى التي اجتاحت المنطقة، كان الوعي السعودي كالبوصلة التي لا تحيد، مستمدًا قوته من إيمانه وأصالته ومن رؤية فلسفية ترى الحياة كصراع بين النور والظلام، حيث ينتصر النور باليقظة والوحدة، فتطوير هذا الوعي الفردي يعني تزويد كل مواطن بمصباح الحقيقة بينما تعزيز الوعي المجتمعي يخلق كيانًا مترابطًا يحبط الدسائس في مهدها ويبني مستقبلًا لا ينكسر.

فاللحمة الوطنية السعودية ليست مجرد شعار بل تجسيد حي لوعي استباقي حافظ على استقرار المملكة، وهو شهادة على أن الوعي، عندما يُصبغ بالقيم ويُرفد بالتجربة، يصبح قوة كونية تُعيد تشكيل العالم وتُثبت أن الأمم الواعية لا تموت بل تظل خالدة في سجل البشرية كمنارة تهدي الأجيال إلى بر الأمان.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *