قرأت بتمعن، والأسى يعتصرني مقال أحمد العرفج الذي صدّره باتهام العرب في لسانها الحي وقلبها النابض وديوانها الناصع ، في موروثها الشامخ ، إنه الشعر العربي الأصيل ، حيث وصمه بأنه ” مؤشر انحطاط وأمية ” !
رحم الله امرأ عرف قدر نفسه وقدراته ، وأبعد الله من عرف قدر نفسه ثم يصادم الحقائق والواقع الحي، ويتقحم ما لا طاقة له به ، وهذا هو عين الغباء، وحقيقة الشقاء … ، واعتراف المرء هو إقرار منه بحقيقته ، وشهادة منه لا سبيل إلى ردها ومواراتها … أنت يا عرفج لست بشاعر على حد قولك …
” وإن تعجب فعجب قولهم ” : ” الشعر مؤشر انحطاط وأمية “! ، والقرآن أقره ، والنبي أيده ووظفه ! ” رب كلمة تقول لصاحبها دعني “
هل تريد مصادمة الحقائق ، لكنها حتما ستطرحك أرضا ” حامض يا عنب ” ، والحكم بيننا وبينك قول أبي العلاء :
إذا وصف الطائي بالبخل مادر
وعير قسا بالفهاهة باقل
وقال السهى للشمس أنت كسيفة
وقال الدجى للصبح لونك حائل
فيا موت زر إن الحياة رخيصة
ويا نفس جدي إن دهرك هازلُ
وإن شئت خذ حكمة حكيم العرب أبي الطيب :
وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل ُ
أفاتك يا عرفج ، أن الشعر أبلج ، وأنه ديوان العرب والمنتج ، وأنه “سجلها النفيس ، ومتحفها الناطق” ، ولولاه لما قرئت الآداب إن كان لك آداب ، ولما اشتهرت القبائل إن كنت من أبناء القبائل !
ألم تسمع بمقولة القائل : ” من لم يتذوق الشعر ويهتز له طربا فإنه يشك في عروبته وأصالته ” …
الشعر روايته وتعاطيه سمة الرجال النبلاء ، والأفذاء العظماء … ! لا أراك إلا حاولته فاستعصى عليك ، وطاولته فارتفى عنك ، فصببت عليه جام غضبك ، ورميته بأنه خزعبلات وسحر ، وكذب وتعاويذ …
عجيب ! مالك كيف تحكم ، وفي أي كتاب درست، وبأي منطق تنطق ! كن شجاعا وتمثل قول الشاعر :
إذا لم تستطع شيئًا فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيعه
أتحداك وإن قرأت سنين عددا لنظرائك وكبرائك أن ينبجس لسانك بمثل حكمة القائل :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاده من توهمِ
ألا تعلم أن “أشعار العرب هي مجامع الاحتجاجات بفصاحة الكلام ، وهي أسانيد قواعد العربية وأصول النحو ” !
رويدا رويدا ! تراثنا بوابة مجدنا وعينه المبصرة ، ثوابتنا لا مساومة عليها، خصوصيتنا تحترم ولا تخترم ، وجهة نظرك أحترمها لكنني مضطر إلى مصادرتها ومدافعتها ….
عد ” والعود أحمد ، والمرء يرشد ، والورد يحمد ” .
هداك الله أخانا ، مقالك – من وجهة نظري – جناية وتجنٍّ على مقام الشعر العربي الشامخ ، لا يقر به عاقل ، فضلا عن عربي قح .
وكتبه الشاعر : أحمد الزيداني
” النماص “
التعليقات