الإثنين ١٢ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٥ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

البيت المنفى ! – بقلم الكاتب أ. عبدالله بن حسن الشهري

البيت المنفى ! – بقلم الكاتب أ. عبدالله بن حسن الشهري

 

أصبحت برامج التواصل الاجتماعي تؤثر تأثيراً عجيباً وتَنقل المرء من حياته الحقيقية إلى حياةٍ افتراضية ، وقَلبت الحياة رأساً على عقب .البيوت التي كانت مليئة بالحركة سَكنت ، والأخرى التي كان ضجيج الناس يَملؤها صمتت ، وكأنها خالية من أهلها ، والمجالس التي كانت للمؤانسة وللتربية على القيم والآداب ، اتخذ الناس بدلاً عنها جوالاتهم ؛ يجلس الشخص في المجلس بجسده وأما روحه وعقله فمع من يُحادث في جهازه ، يبتسم تارة ويعبس تارة ويخفي جواله عن الأنظار تارة أخرى ، وأحيانا تسأله وتكرر السؤال فلا يجيب .

وسائل أدت في بعض الأحيان إلى عقوق للوالدين ، يجلس الشاب مع والديه وهما في شوق لحديثه وهو يقلّب جهازه في غفلة عن التأدب معهما ومراعة مشاعرهما .وأحيانا في ( القروبات ) تجد بعض الأعضاء لا تفوته شاردة ولا واردة إلا وعلّق عليها صباحاً أو مساءً ، علماً أنه موظف ! والذي أعرفه أن عمله لا يسمح له بأن يكون في الفترة الصباحية بهذه المتابعة والردود الطويلة ، والتي تحتاج وقتاً كبيراً لتحريرها ،  إلا أن يكون قد اختار ( القروب ) على العمل !!!

هذه الوسائل قرّبت البعيد وأبعدت القريب ، ويسّرت تواصل الرجال بالنساء ، وأوقعت في كثير من البيوت الريب والشكوك ، ووقف بعض الأزواج على عتبة الطلاق بسببها  أو الخصام والشقاق ، وفي عدد من الإحصاءات أن نسب الطلاق ارتفعت ارتفاعاً مخيفاً مع ثورة التواصل الاجتماعي .ومن الطبيعي اليوم أن تجد فتاة تتابعك في تويتر أو تطلب صداقة في الفيس بوك ،  وحدّث ولا حرج عن الانستقرام والسناب شات ، وما يتبع  ذلك من التودد وعبارات التغنّج والإعجاب بين الجنسين .

وكم من فتاة غُرر بها في هذه البرامج من ذئاب يمكرون بأعذب الألفاظ ، والوعود الكاذبة ، وجميل الكلام ، وإظهار الحفاوة والاهتمام.لقد وفّرت هذه البرامج خلوة بين الجنسين للحديث والتباسط ورفع الكلفة والمضي ساعات طوال ، وسهر ليال على الأوهام ، وقد يتطور الأمر لأن يتبادلون صور بعضهم البعض ، ثم ينحرها بصورها ويبتزها ويعذبها وأهلها ، وكم في البيوت من المآسي مما لا يعلمه إلا الله ؟

أحيانا يخلد الشخص للنوم ثم ينظر في جواله فيَرد على محادثة ويظل يتابع هنا وهناك حتى قبيل الفجر ، ويَنتقل من برنامج إلى برنامج في نهم عجيب غريب. ويصحو النائم وأول حركة يقوم بها –  قبل أن يذكر الله – يلتقط جواله لينظر ماذا فاته ؟ وماذا حدث في البرامج  عندما كان نائماً ؟؟ إدمان على هذا الأجهزة وما تحمله من سيل جارف من المقاطع والصور ، وقد يفضي تتبع هذه المقاطع والصور للوصول لأقبح المناظر والصور .

البعض لديه قدرة أن يمضي أربع ساعات أو أكثر متصلاً بهذه البرامج  دون كلل أو ملل ، في حين يستثقل أن يقرأ جزءاً من القرآن الكريم في ربع ساعة ، أو أن يصلي الوتر قبل نومه .أنا لست معارضاً لاستخدام هذه الأجهزة أو الإفادة من هذه الوسائل ، ولكني في ذات الوقت أرجو من مستخدمي هذه الوسائل إعادة النظر في حجم الاهتمام الذي يولونه لها ، وأن يحققوا توازنا في حياتهم بين الأولويات والواجبات والاهتمامات ، مع مراقبة الله ، فإن ذنوب الخلوات أعظم المهلكات ، وتحط من تقدير الإنسان لنفسه ،  وقد قيل : بأن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وأن عبادات الخفاء هي أعظم أسباب الثبات .

مقالك37

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *