الإثنين ١٢ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٥ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

من يحفظ أغنيات أسلافنا الرعوية ؟ – للكاتبة السعودية القديرة أ. تركية العمري

من يحفظ أغنيات أسلافنا الرعوية ؟ – للكاتبة السعودية القديرة أ. تركية العمري

 

 

تشكلت أغنيات أسلافنا الرعوية في المناطق الجبلية الجنوبية من ملامح البيئة الجغرافية التي تحيط بهم، فغنوا لأحبتهم ، لجبالهم، ولأوديتهم ، ولتلالهم، ولآبارهم، ونازلوا بأغنياتهم أعداءهم ، وقد كان لأغنياتهم شذى زهور الكادي والريحان والبعيثران المبتلة بأمطار سمائهم التي تلتحف الغيم معظم أيام السنة . كما أن كلمات أغنياتهم هرولت بين أساطيرهم .

 

أهدى أولئك القرويون الجماليون أغنياتهم ألحان وجدانهم ،فلامست إيقاعاتها أحاديثهم وهم ذاهبون ليملئوا قربهم* بالماء من آبارهم العذبة ، وتدفقت رقراقة على شفاههم وهم يبذرون محاصيلهم في أراضيهم ، وأثارت فيهم الحماس في مواسم الحصاد الشاقة .

 

انتظرت أغنيات أسلافنا الجبليين معهم قدوم المطر ، شاركتهم خوفهم عندما تهز الرياح الغاضبة أبواب بيوتهم فيخاطبون الله عبرها ليحفظهم منها . تلك الأغنيات التي تماهت مع احتفاليات الصلح والمحبة فيما بينهم ، وسارت معهم ممتزجة بمشاعرهم في طقوس أفراحهم فعندما تغادر العروس قريتها ، وتتزوج من قرية أخرى تتبعها أغنيات حزينة ترددها النساء ، وعندما تصل إلى قرية زوجها يستقبلها أغنية احتفاء.

 

هدهدت أغنيات أسلافنا مهود الصغار عبر أنغام أمهاتهم الحنونة التي ناغتهم بها ، وداعبت أحلامهم الصغيرة ، كما رافقت تلك الأغنيات الفتيات الصغيرات في المراعي الخضراء ورأت ملامسة نسائم الصباح لمناديلهن الزاهية وهن يلاحقن صغار الشياه .

 

 

صمم أسلافنا المبدعين رقصات تتناغم مع أغنياتهم ، كما أنهم صنعوا آلاتهم الموسيقية البسيطة بأياديهم ، ولم يكونوا يعلموا أنهم يشكلون بذلك هويتهم الخاصة بهم والتي تؤكد أنهم مفطورين على حب الحياة ، والفرح، والبهجة ، فهم جماليون بطبيعتهم ، كل ذلك الإبداع الذي أراه في طريقه للاندثار، جعلني أغمض عيني ،

 

فأرى أولئك القرويين العظماء الذين تعبوا وناضلوا صعوبة الحياة لأجل الحياة ، فاحلم بمؤتمرات ولقاءات تتحدث عن تلك الأغنيات وإيقاعاتها التي شكلت اللبنات الأولى في هويتنا الثقافية التي تحمل تاريخاً زاخراً بتفاصيل حياة ننتمي إليها ، وتدفق حلم آخر وهو أن أجد تلك الأغنيات في فيلم وثائقي ، أو معرض صوتي مرئي مصحوباً بمعرض صور أو فنون تشكيلية دائم ،

 

وتبعه حلم شفاف هو أن أجد في كتاب أنيق أغنية ذاك العاشق الذي أحب ، وأيضا أغنيات الـدفاع عن كـرامة القرى والنساء ، وأغنية كبرياء جدي الصباحي، وأغنية كانت تغنيها الأمهات لصغارهن فيكفوا عن البكاء ويبتسموا.

 

وتبقى أمنية أن تـرى أحـلامي النور، حباً ووفاءً وتكريما لأولئك العظماء نساء ورجال والذين أتينا منهم إلى الحياة، أولئك الذين شقوا قسوة الجبال الشاهقة بأغنيات همتهم، وسقوا أراضيهم بشهد حبهم وإخلاصهم وانتمائهم صادحين بأغنياتهم الجميلة وهم يدقون الأرض طربا بخطوة أقدامهم 

 

 

مقالك248

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *