في ذات يوم وأنا خارجا ًمن منزلي مرتدياً عبائتي .. راكباً سيارتي .. قاصداً وجهتي .. ممتطياً صهوة أفكاري بين غادٍ وراح .. تموج بي لا أعلم مستقرها وقرارها وماذا أعبء بها .. تراودني الظنون وتساورني الهموم .. فالبرد شديد .. والصبح قد تنفس بعد ليل مظلم حالك مديد ..
وبعد مُضي وقت ومسافة ليست بالقليلة .. إذا بعيني ترى ثلاثة رهط أشداء على جال الطريق ..أعطاهم الله بسطة في الجسم وقد طوقوا رجلً مسن بلغ من الكبر عتيا .. يطالبونه بدراهم معدودات فيما يبدو .. وحينها هدئت مكينة سياراتي .. وأوقفت عجلاتها آثرت العودة أدراجي إليهم بعد اشتباهي بهم .. وقد أحكموا عليه الحلقة والخناق .. وما أن شاهدوني حتى لاذوا بالفرار وأفلوا .. ظناً منهم في السلامة والنجاة بعد طعنة غادرة لذلك الرجل المسن بين كتفيه تسببت في جرح غائر من أبشعهم أخلاقاً وأفسدهم تفكيراً وأعتلهم إجراماً ..
آهات الرجل وأنينه تملئ المكان راجياً مساعدتي .. والدم ينزف بغزارة .. فاحتضنته بكلتا يدي .. ورددت عليه الشهادة ظناً مني بأن يفقد الرجل حياته فهو في حالة خطيرة ومنازعة مريرة .. وتناولت هاتفي ممرراً للأمن الحادثة وما هي إلا لحظات يسيره كانت تمر ببطء شديد حتى وصلت سيارة الإسعاف والنجدة كذلك .. وإلى أقرب مستشفى لإنقاذه اتجهنا .. بين صراع من الألم .. يحدونا معه أمل الشفاء وإلى الله بخالص الدعاء ..
فاستنهض المستشفى بطاقمه الطبي تعاطفاً وإنسانية بكافة إمكاناته المادية والبشرية .. وأُعلنت حالة الطوارئ والجميع هب لنجدته رحمة بحاله .. وتعاطفاً لسنه .. وثيابه مضرحة بدمائه .. وعيناه في عيني تصيبني بسهام من الألم .. فلست طبيياً لأعالجه .. ولست مسعفاً لأنقذه .. وينقلونه سريعاً إلى غرفة العمليات .. وهنا كانت الصدمة الأخرى والمفاجأة الكبرى .. لم تكن الغرفة جاهزة طبياً .. وتحتاج لمزيد من الوقت لاستخدامها .. والحالة خطيرة لا تحتمل ..
وبنك الدم غير قادر بالإيفاء بالكمية المطلوبة وعلينا البحث عن متبرعين .. فيغضب الطبيب ويصرخ بمن حوله لإنقاذ الموقف وتداركه .. والجميع في استنفار وهلع .. وذلك الرجل ما زال ممسكاً بيدي من شدة ألمه وأنا أهدئ من روعه ورموش عينيه تخضب وتنضب .. وتتهافت الأصوات اضطراباً وتملئ المكان ارتعاداً .. وترتفع مكبرات الصوت .. فإذا بأذان الفجر بصوت عذب شجي يصدح ( الصلاة خيرٌ من النوم ) ..
فقمت فزعاً وهلعاً .. فإذا بي وسط منزلي .. لم أقرأ أذكار نومي قبل خلودي فراشي .. فكان ذلك الحلم الكئيب جزاتي ..
.
التعليقات