الثلاثاء ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٥ الموافق ٤ رجب ١٤٤٧ هـ

الثروة البحرية….خيار استراتيجي للأمن الغذائي! – بقلم الكاتب أ. محمد آل مخزوم الغامدي

الثروة البحرية….خيار استراتيجي للأمن الغذائي! – بقلم الكاتب أ. محمد آل مخزوم الغامدي

حبَا الله بلادنا بثروة بحرية عظيمة، إذ تمتد سواحلها غرباً على البحر الأحمر وشرقاً على الخليج العربي، في مسافات شاسعة تشكِّل مسطحات مائية هائلة تزخر بأنواع لا حصر لها من الأسماك؛ ورغم هذا الامتداد البحري الغني، إلا أن جزءاً كبيراً من هذه الثروة يذهب هدراً كل عام، حيث تموت أعداد كبيرة من الأسماك وتستقر في قاع البحر دون استثمار حقيقي يعود بالنفع على الإنسان أو الاقتصاد.

المفارقة اللافتة أن هذه الأسماك لا تتطلب رعاية أو تغذية بشرية، فهي تعيش في بيئتها الطبيعية وتتغذى ذاتياً على الطحالب والكائنات البحرية الدقيقة، ومع ذلك نجد أسعار الأسماك في الأسواق مرتفعة إلى حد يجعل المواطن العادي غير قادر على تناولها بشكل منتظم، وربَّما لا يستطيع شراء السمك حتى مرة واحدة في الأسبوع، رغم أن الكيلوغرام – لو أُحسن استثمار هذه الثروة – يمكن أن يكون في متناول الجميع بأسعار مناسبة.

ولا يقتصر استثمار الثروة السمكية على الصيد وحده، بل يمتد إلى إقامة صناعات تحويلية ومصانع للمنتجات البحرية، كما هو الحال في عدد من الدول التي نجحت في إنشاء مصانع لتعليب التونة وتصنيع المنتجات السمكية المختلفة، وتحويلها إلى سلع غذائية مصدَّرة إلى معظم دول العالم، بما يحقق قيمة مضافة للمنتج المحلي، ويدعم الاقتصاد الوطني، ويوفِّر فرص عمل واسعة في مجالات التصنيع والتغليف والنقل والتسويق.

إن تطوير قطاع الصيد البحري يتطلب رؤية تنظيمية شاملة، تبدأ باستقطاب صيادين محترفين من الدول ذات الخبرة العريقة في هذا المجال، كالمغرب والهند وغيرها، إلى جانب تدريب وتأهيل أبنائنا على مهنة الصيد البحري، لتصبح صناعة وطنية ومصدر دخل ثابت وفرص عمل مستدامة، تسهم في بناء اقتصاد بحري حقيقي.

كما أن تنظيم أسواق الأسماك وتطوير سلاسل التبريد والنقل سيسهم في إيصال الأسماك طازجة وبشكل يومي إلى مختلف مناطق المملكة، وبأسعار في متناول الجميع، وهو ما ينعكس إيجاباً على الأمن الغذائي وتوفير غذاء صحي متاح للسكان.

وتزداد الحاجة إلى ذلك في ظل تراجع تربية الأغنام داخلياً، نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف، وغياب المراعي الطبيعية، ما أدى إلى شح اللحوم الحمراء وارتفاع أسعارها، واعتماد شريحة واسعة من المجتمع على اللحوم البيضاء المتمثلة في الدواجن.

من هنا يبرز الدور المحوري لوزارة البيئة والمياه والزراعة في تنظيم صيد الأسماك واستدامته، وتحويله إلى بديل غذائي صحي وآمن للحوم الحمراء مرتفعة الثمن، ومورد اقتصادي واعد، يسهم في تعزيز الأمن الغذائي، وتنويع مصادر الدخل، واستثمار نعمة بحرية طال انتظارها.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *