السبت ١٣ ديسمبر ٢٠٢٥ الموافق ٢٣ جمادى الآخرة ١٤٤٧ هـ

إفعل ولا تنفعل – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

إفعل ولا تنفعل – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

حين نربط عبارة “افعل ولا تنفعل” برؤية تحمل حجم التحوّل الذي تعيشه بلادنا اليوم، يصبح الحديث أوسع من مجرد نصيحة سلوكية. نحن نتحدث عن فلسفة كاملة تُترجم على مستوى وطن قبل أن تنعكس على مستوى الفرد. فالرؤية ذاتها لم تُبنَ باستجابة انفعالية أمام التغييرات التي تحدث في العالم، ولم تكن ردّ فعل على ضغوط أو أحداث، بل جاءت عن قناعة بأن المستقبل لا يُمنح… بل يُصنع.

من يتأمل مسار التحول الوطني سيلاحظ أن كل خطوة فيه كانت فعلًا واعيًا لا ردّ فعل مستعجلاً. مشاريع كبرى تُقام من الصفر، واقتصاد يتجه نحو التنوع، وتمكين للإنسان ليكون جزءًا من البناء لا مجرد متفرج. كل هذا تحقق لأن الفعل كان هو اللغة السائدة، ولأن الانفعال لم يكن خيارًا مطروحًا. الرؤية قامت على التخطيط والعقلانية والطموح الهادئ الذي يعرف إلى أين يتجه، وكيف، ولماذا.

وهذا بالضبط ما يمكن أن يستلهمه كل فرد. فكما لا تنتظر البلاد الظروف المثالية لتتقدم، كذلك الإنسان لا يحتاج إلى أن تكون حياته خالية من التحديات ليبدأ. الفعل يبدأ في اللحظة التي نقرر فيها أن نواجه بدل أن ننفعل، وأن نفكر بدل أن نرتبك، وأن نبني بدل أن نلوم. الانفعال قد يريح لحظيًا، لكنه لا يفتح طريقًا. بينما الفعل، حتى لو كان صغيرًا، فإنه يحرك شيئًا أمامك ويقربك من هدفك خطوة بعد خطوة.

والمتأمل في واقع اليوم سيلاحظ نمطًا جديدًا يتشكل في المجتمع: وعي أكبر بإدارة الذات، رغبة في التطوير، وفهم أعمق بأن العصر الحديث لا ينتظر المتوترين، بل الذين يملكون أعصابهم ويعملون بهدوء. الإنسان الذي يفعل هو الذي يترك أثرًا، أما المنفعل فيظل يدور داخل اللحظة ذاتها. هذه الفكرة ليست بعيدة عن روح رؤية 2030 المجيدة، التي أسست لنمط تفكير مختلف يصنع الفرص ولا يكتفي بردود الأفعال. وهكذا يصبح الفرد شريكًا في فلسفة وطنية كاملة، لا لأنها مفروضة عليه، بل لأنها منطقية ومجدية لكل من يريد أن يتقدم.

وعندما نتعامل مع التحديات الكبيرة والصغيرة بروح الفعل، لا بروح الانفعال، يبدأ كل شيء يتغير؛ طريقة اتخاذنا لقراراتنا، علاقاتنا مع الآخرين، نظرتنا لأنفسنا، وحتى قدرتنا على الاستمرار. نبدأ نرى أن القوة الحقيقية ليست في رد فعل سريع، بل في خطوة هادئة محسوبة تقودنا نحو هدف واضح. وهذا ما يميز الرؤية الوطنية اليوم: أنها تتقدم بلا ضجيج زائد، وتبني بثبات، وتثبت أن الفعل هو الطريق الوحيد للإنتاج والإنجاز.

باختصار “افعل ولا تنفعل” ليست مجرد عبارة تلهم السلوك الفردي؛ إنها امتداد لنهج أثبت أنه قادر على تغيير واقع بأكمله. وعندما يتبنى الفرد هذا الفكر، فإنه ينضم بشكل طبيعي إلى حركة وطنية تؤمن بأن المستقبل لا يصنعه الأكثر صراخًا، بل الأكثر عملاً. إنها دعوة لأن نعيش الفعل، لا الانفعال؛ وأن نكون جزءًا من هذا التحول الكبير، بوعي وهدوء وثقة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *