أولا :- مقدمة: يُعدّ الابتعاث الخارجي أحد الركائز الأساسية لبناء الإنسان والمجتمع في المملكة العربية السعودية، فهو وسيلة استراتيجية لرفع مستوى التعليم، ونقل المعرفة، وصناعة الكفاءات القادرة على المشاركة الفاعلة في التنمية الوطنية.
منذ ستينيات القرن الهجري الماضي، بدأت المملكة العربية السعودية في إرسال أبنائها وبناتها إلى جامعات عربية ثم عالمية لتلقي التعليم العام والعالي في العديد من التخصصات النظرية والعلمية، وقد شكّل هذا المشروع الوطني تحولًا معرفيًا واجتماعيًا وثقافيًا واسع النطاق.
لقد أثبت الابتعاث أثره الكبير على جميع الأصعدة: الأكاديمية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية، كما أسهم في بناء بنية تحتية معرفية قادرة على مواجهة تحديات التحول الوطني. وتُظهر تجربة أبناء وبنات جنوب المملكة ( عسير ، وجازان ، ونجران ، والباحة ، والطائف ، والقنفذة ) نموذجًا متميزًا لهذه الإسهامات، حيث جمعوا بين الأصالة القيمية والانفتاح المعرفي، وساهموا بشكل فاعل في نهضة البلاد.
ثانيا : – الابتعاث السعودي – مفهومه وتطوره التاريخي :
1- تعريف الابتعاث بوصفه مشروعًا وطنيًا: الابتعاث هو إرسال الطلاب إلى الخارج للدراسة أو التدريب، بهدف اكتساب المعارف والمهارات العلمية والمهنية. وفي المملكة العربية السعودية ، أصبح الابتعاث مشروعًا استراتيجيًا يهدف إلى:
• نقل العلوم الحديثة والتقنيات المتقدمة.
• إعداد كوادر وطنية مؤهلة.
• تطوير الجامعات والمراكز البحثية.
• تمكين الدولة من تحقيق رؤيـة وطنية شاملة للتنمية.
2- تطور الابتعاث السعودي عبر الأجيال :
أ – جيل التأسيس ( من الستينيات – الثمانينيات الهجرية ) :
• ركّز على الطب، والهندسة، والتعليم.
• شمل عددًا محدودًا من الطلاب، لكنه أسس اللبنات الأولى للجامعات والمستشفيات، وبعض الوزارات ومؤسسات حكومية أخرى .
ب – جيل البناء : من التسعينيات إلى بداية العشرينيات من القرن الهجري الحالي( ق 15هـ / 20م) :
• توسعت التخصصات إلى العلوم الدقيقة والإدارية والاقتصادية وغيرها .
• أسهم هذا الجيل في تطوير الأنظمة التعليمية والإدارية.
ج – جيل النهضة (برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث) :
• برامج ضخمة شملت آلاف الطلاب والطالبات في جميع التخصصات.
• ساهم هذا الجيل في تأسيس مراكز بحثية، ومبادرات علمية وطنية، وتطوير الجامعات.
3- فلسفة الابتعاث : تهدف برامج الابتعاث في المملكة العربية السعودية إلى بناء الإنسان والمجتمع، وليس مجرد تحقيق الشهادات. وهي تعكس قناعة الدولة بأن التعليم هو أداة النهضة الحقيقية، وأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأمثل لمستقبل المملكة.
ثالثا : أثر الابتعاث على التنمية الوطنية:
1- الجامعات والمؤسسات التعليمية:
• تزويد الجامعات بأساتذة وباحثين جيدين وعالميي المستوى.
• تطوير المناهج التعليمية الحديثة.
• تأسيس مراكز أبحاث متقدمة.
• نشر ثقافة البحث العلمي والمنهجية العلمية.
2- القطاع الصحي والطبي :
• تأهيل الأطباء والاستشاريين ( ذكورا وإناثا ) في التخصصات الدقيقة.
• تطوير المستشفيات والمراكز الطبية في جميع مناطق المملكة.
• تدريب الأطباء والممرضين وتحسين جودة الخدمات الصحية.
3- التنمية الاقتصادية والإدارية :
• بناء قدرات وطنية في الإدارة والقيادة.
• تطوير القطاعات الاقتصادية والتقنية.
• تعزيز الإنتاجية وتحقيق التنافسية العالمية.
• المساهمة في مشاريع التحول الرقمي.
4- أثر الابتعاث على المجتمع والثقافة :
• زاد وتوسع نقل قيم الانضباط، والعمل الجماعي، وحب المعرفة.
• رفع مستوى الوعي الاجتماعي والعلمي.
• تشجيع الشباب على التعليم العالي والتفوق الأكاديمي.
• تعزيز الهوية الوطنية والانفتاح الحضاري.
رابعا : – أبناء وبنات جنوب المملكة العربية السعودية (تهامة والسراة) وتجربتهم في الابتعاث :
1- خلفية تاريخية للتعليم في الجنوب :
• توسعَ انتشار المدارس التقليدية والكتاتيب منذ قرون.
• القيم الاجتماعية التي تثمّن طلب العلم والمعرفة.
• دور العلماء والمجتمع المحلي في تشجيع التعليم.
2- دوافع أبناء وبنات الجنوب نحو الابتعاث :
• الرغبة في نقل المعرفة والخبرة للمجتمع المحلي.
• حب التميز الأكاديمي والانضباط في التعلم.
• الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية في العمل والتعليم.
3- تنوع التخصصات العلمية :
• الطب والعلوم الصحية.
• الهندسة والعلوم التطبيقية.
• العلوم الإنسانية والتاريخ واللغات.
• التربية والتعليم.
• القانون والإدارة.
• تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي.
• البيئة والزراعة.
4- إسهاماتهم في الجامعات الجنوبية :
• تأسيس الكليات والأقسام العلمية.
• تطوير المناهج والمختبرات البحثية.
• إدارة الجامعات والكليات بشكل فعال.
• قيادة البرامج الأكاديمية والبحثية.
5- أثرهم على التنمية المحلية :
• تحسين التعليم والصحة في المناطق الجبلية والسهول الساحلية.
• تعزيز البحث العلمي والثقافة المجتمعية.
• إنشاء مشاريع تنموية واقتصادية.
• رفع مستوى الخدمات العامة.
خامسا :- الابتعاث ودوره في خدمة المجتمع والبلاد :
1- خدمة المجتمع:
• رفع مستوى المعرفة والوعي.
• نقل ثقافة العمل والإنتاجية.
• دعم التنمية الاجتماعية والثقافية.
• تدريب الأجيال القادمة على المهارات الحديثة.
2- خدمة الدولة :
• تطوير المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص.
• إدخال التقنيات الحديثة.
• تأهيل القيادات الوطنية.
• المشاركة في تحقيق أهداف رؤية 2030.
3- البعد الإنساني والديني :
• تعزيز القيم الأخلاقية والإسلامية في العمل العلمي.
• خدمة الناس وتحسين جودة الحياة.
• العمل على نقل المعرفة النافعة ونشر التعليم.
سادسا :- التحولات الحضارية والمعرفية :
• بناء هوية معرفية تجمع بين الأصالة والانفتاح.
• تعزيز الثقافة البحثية والمنهجية العلمية.
• تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.
• تمكين المجتمع المحلي من الاستفادة من خبرات المبتعثين.
• خلق شبكة علمية وطنية تصل المجتمع الدولي بالمملكة العربية السعودية .
سابعا :- الابتعاث وبناء المستقبل الوطني :
• دعم القطاعات الحيوية: الطاقة، الصحة، التعليم، الذكاء الاصطناعي، البيئة.
• تعزيز التنمية في الجنوب السعودي ( تهامة وسراة ) والمناطق الأخرى.
• رفع مستوى الجامعات والمراكز البحثية.
• إعداد أجيال جديدة من القادة والمبتكرين.
• توسيع الأفق الوطني والعالمي للكوادر السعودية.
ثامنا :- خاتمة: يمثل الابتعاث في المملكة العربية السعودية أحد أهم أدوات التنمية الشاملة، لما له من أثر مباشر على الفرد، والمجتمع، والدولة، وعلى خدمة الناس والمجتمع. وقد أسهم أبناء وبنات جنوب المملكة العربية السعودية (تهامة والسراة) بشكل واضح في هذه التجربة، فكانوا قادة في التعليم والبحث العلمي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وقدموا خدمات جليلة للبلاد والعباد، مما يجعل الابتعاث مشروعًا حضاريًا ووطنيًا يربط بين المعرفة، والتنمية، والقيم. إن استمرار برامج الابتعاث، مع التركيز على تطوير التخصصات العلمية الحديثة، سيضمن استمرار أثرها الإيجابي على جميع مستويات التنمية الوطنية، وسيحافظ على مكانة المملكة العربية السعودية بين الدول المتقدمة علميًا ومعرفيًا.












التعليقات