الإثنين ١٧ نوفمبر ٢٠٢٥ الموافق ٢٧ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ

وقفة مع حاضرة أبها خلال العصر الحديث – بقلم: أ. د. غيثان بن علي بن جريس

وقفة مع حاضرة أبها خلال العصر الحديث – بقلم: أ. د. غيثان بن علي بن جريس

أعرف هذه المدينة “أبها” منذ تسعينيات القرن الهجري الماضي، وشاهدت وسمعت واطلعت على صفحات متعددة من تاريخها الحضاري والتنموّي، وما زلت معاصرًا لمسيرة نموّها السريع حتى يومنا هذا ( 1447هـ/2025م ). وخلال بحثي عن دراسات علمية تفصيلية رصينة وشاملة عن هذه الحاضرة السروية الجميلة؛ لم أجد عملًا وافيًا يدرس تاريخها الطبيعي والإنساني في مختلف جوانبه. وأسجّل هنا بعض المقترحات والتوصيات التي توصّلت إليها عبر إقامتي في هذه الناحية لأكثر من خمسة عقود ( 1396–1447هـ / 1976–2025م )، لعلها تجد من يتبنّاها علميًّا وبحثيًّا وتوثيقيًّا، وذلك وفق المحاور الآتية:

1- أهمية  التاريخ السياسي والحضاري لأبها : لأبها تاريخ سياسي وحضاري كبير خلال القرن الثالث عشر الهجري ( 19م )، ولو جُمعت مادته من مختلف المصادر العربية والأجنبية، المطبوعة والمخطوطة، لظهر لنا تاريخ واسع ليس لأبها وحدها، بل لعموم بلاد السراة وتهامة، الممتدة بين حواضر اليمن والحجاز. ورغم وجود أعمال منشورة وغير منشورة في هذا المجال، إلا أنها ما تزال مبعثرة ومتفرقة داخل الجزيرة العربية وخارجها، وبالعربية وغيرها من اللغات. ونأمل أن تتولى إحدى المؤسسات العلمية البحثية دعم مشروع علمي كبير يعنى بتاريخ أبها خصوصًا، وبلاد تهامة والسراة عمومًا، على أن يكون مركز انطلاقه من مدينة أبها ذات التاريخ المتشعّب في العصرين الحديث والمعاصر.

2 – التحولات الكبرى في القرن 14هـ / 20م : مع مطلع القرن الرابع عشر الهجري ( 19- 20م ) دخلت أبها مرحلة جديدة في تاريخها الحديث؛ إذ شهدت تغيرات رسمية وأهلية واسعة في المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والفكرية والثقافية والإعلامية والسياحية والصحية، إضافة إلى علاقاتها الداخلية والخارجية. وقد كانت أبها آنذاك حاضرة محورية ليست في منطقة عسير فحسب، بل في عموم المناطق السروية والتهامية. وتتوافر لهذا التحول الحضاري الضخم مصادر كثيرة مكتوبة ومروية ومصوّرة، كما ظهرت بعض الكتب والبحوث التي تناولت تاريخ هذه البلاد، إلا أنها لا تزال دون مستوى الطموح من حيث الشمول والجودة والمنهجية. وتملك جامعات تهامة والسراة القدرة العلمية والمادية لتبنّي مشروع موسوعي كبير يُعنى بتاريخ مدن جنوب المملكة العربية السعودية  وحضارتها، وهو مشروع جدير بالدعم والرعاية.

3- رؤى ومقترحات بحثية على تهامة والسراة عموما ، وأبها خصوصا: إن هذه الرؤى والمقترحات التي أذكرها هنا، كنتُ قد عرضتها في محاضراتي ولقاءاتي العلمية منذ عقود، وهي لا تخص أبها وحدها، بل تشمل جميع حواضر تهامة والسراة. فهذه البلاد الواقعة بين اليمن والحجاز تزخر بتاريخ عريق منذ العصر الحجري، مرورًا بالقرون الإسلامية المبكرة والوسيطة، وانتهاءً بالعصر الحديث والمعاصر ( 1447هـ/2025م ). وهي بحاجة ماسّة إلى خدمة علمية جادة وشاملة في مختلف الميادين التاريخية والحضارية.

4-  أبها ودورها في جنوب المملكة العربية السعودية : عرفت خلال أربعين عامًا من الإقامة والمعايشة والسفر في مناطق تهامة والسراة الكثير من صفحات التاريخ الحديث والمعاصر لأبها، وللمدن الممتدة من الطائف وجنوب مكة المكرمة إلى جازان ونجران. وقد كان لأبها دور رائد في الأنشطة والتنمية والحياة الثقافية والاجتماعية في جنوب المملكة. ومثل هذا الموضوع يستحق أن يكون مشروعًا بحثيًا كبيرًا تتولاه مؤسسة أكاديمية محلية لتحقيق دراسة علمية دقيقة وشاملة.

5-  أعلام أبها في العصر الحديث: إن تاريخ الرموز والأعلام الذين عرفتهم أبها منذ مطلع القرن 14هـ/19م حتى ثلاثينيات هذا القرن، ممن كانت لهم آثار حضارية وتاريخية في أبها وسروات وتهامة عسير وما حولها، مجال واسع لم يحظ بعناية بحثية كافية، وهو جدير بأن يكون ضمن خطط الأساتذة والباحثين والمؤسسات العلمية.

6-  الحاجة إلى مضاعفة الجهود البحثية: التقيت خلال سنوات طويلة بالعديد من الباحثين وصنّاع القرار في جامعاتنا، وهم مشكورون على ما يبذلونه من جهود. ومع ذلك، فإن تاريخنا المحلي الحديث والمعاصر ما زال يحتاج إلى مزيد من العمل العلمي الجاد. ومن يشتغل في هذا الميدان سيجد ثراءً كبيرًا في المواد العلمية التي تساعده على إنجاز أعمال متميزة.

7-  تحديات عصر التقنية والذكاء الاصطناعي: تتسارع التغيرات العالمية المعاصرة، وخاصة في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي، مما قد ينعكس سلبًا على تراثنا وموروثنا المحلي إذا لم يُوثّق دراسة و حفظًا وتوثيقا . ومن الواجب على المتعلمين والمثقفين والإعلاميين وأرباب العلم والقلم المحافظة على تاريخهم وحضارتهم وثقافتهم العربية والإسلامية الأصيلة، ونقلها للأجيال القادمة بصورة صحيحة.

8- كلمة ختامية: لا أدّعي أنني قدّمت هنا دراسة وافية عن حاضرة أبها التي قرأت وعرفت الكثير من تاريخها خلال العصر الحديث؛ إنما هي إشارات ولمحات موجزة لمدينة مركزية ورئيسية في جنوب المملكة العربية السعودية، ما تزال بحاجة إلى جهود واسعة علميًّا ومعرفيًّا وتوثيقيًّا وتحليليًّا في جميع الميادين. وآمل أن أعود إليها في قادم الأيام بعمل علمي موسّع، أكثر عمقًا وتفصيلًا، يفي بحق هذه المدينة العريقة.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *