الأحد ٩ نوفمبر ٢٠٢٥ الموافق ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ

حين تركنا المكنسة وحملها الوافد ! – بقلم الكاتب أ. محمد آل مخزوم الغامدي

حين تركنا المكنسة وحملها الوافد ! – بقلم الكاتب أ. محمد آل مخزوم الغامدي

تقدَّم شاب ذات يوم إلى أحد مكاتب الخدمات العامة التي كنت مشرفاً عليها يبحث عن عمل بالمكتب، سألته عن نوع العمل والمؤهل الذي يملكه؟ أجاب أن لديه الكفاءة المتوسطة ويرغب العمل في خدمة المكتب من خلال النظافة والأعمال المساندة؛ في ذات اللحظة شاهدت عامل النظافة الوافد يجمع النفايات من الشارع ليلقي بها في صندوق النفايات، سألته إن كان لديه العزيمة للعمل بدل الوافد في نظافة الشارع عندما تُتاح له الفرصة ؟. أجاب بلا تردد “نعم أقبل” إن ضمنت لي الوظيفة والراتب.

هذا الحوار البسيط يكشف أن لدى الشباب السعودي الرغبة في العمل متى ما توفرت الفرصة الحقيقية، يدعم ما ذكرت الرغبة الجامحة لدى أبناء وبنات الوطن في العمل التطوعي عندما فُتحت نافذة التسجيل في منصة التطوع، تقدَّم خلالها أعداد هائلة للقيام بكافة الأعمال الخدمية، لم يجدوا حرجاً في الإمساك بالمكنسة لتنظيف الشارع، فقد كان في نظرهم عملاً شريفاً يبتغون به الأجر من الله، وخدمة الوطن، ونيل شهادة تطوعية تُجسِّد روح الانتماء والمسؤولية.

كانت مهمة تنظيف المدارس في الماضي مسؤولية فرَّاش المدرسة، يُكنِّس الفصول، يُرتِّب الطاولات، يُنظِّف فناء المدرسة، يُساعد المعلمين ويقوم على خدمتهم، هذا النموذج تكرَّر كثيراً في مدارسنا حتى عهدٍ قريب، أما نظافة المسجد فلا تزال مهمة الخادم لا يجد غضاضة أو انتقاصاً من كرامته في عمله، حتى الحرمين الشريفين، كان يقوم بخدمتهما قبل ما يزيد على خمسين عاماً مضت أبناء الوطن كما يذكر أحد المُعمِّرين.

قيمة المرء فيما يُحسن، يحظى عامل النظافة في دول العالم المتقدمة بالتقدير والمكانة، الراتب الذي يتقاضاه يفوق أحياناً راتب الطبيب في عيادته، والمهندس في مصنعه، والمدير في مكتبه، حتى مُسمَّى العامل – فني أو مهندس بيئي- هذا المُسمَّى يمنح العامل الاحترام والمكانة.

من هنا تبرز الحاجة إلى مبادرات عملية، بدءاً من رئاسة الحرمين الشريفين والبلديات، عبر إطلاق وظائف موسمية وفرص بأعداد محــدودة في مجــالات النظافــة والصيانة والخدمــات، بهدف قياس مدى جدية الشباب السعــودي للانخراط في هذه المهن الشريفة، سوف تكشف تلك المبادرات إن كانت المشكلة ناتجة عن قلة الفرص الوظيفية المتاحة، أم كانت نتيجة عزوف عن العمل بهذه المهن، حينها يكون الخلل ثقافياً وسلوكياً يتطلب معالجته تربوياً لترسيخ قيمة العمل الشريف في وجدان المجتمع.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *