تُسفك الدِّماء المعصومة التي حرمها الله فتتداعى القبائل من كل حدب وصوب بالتجمهر أمام منزل ذوي القتيل لعدة أيام في مشهد مأساوي يندى له الجبين، فتُقطع الطرقات، وتُسكب العبرات، وتَخضع الرقاب، طمعاً في عفو أولياء الدم، باذلين أرواحهم وأموالهم فداءً للقاتل بالاتكاء على العصبية القبلية في المتاجرة بالدماء، فيستغل أعداء الوطن هذه المشاهد لتأجيج الصراع بين القبائل عبر قنوات اليوتيوب وبرامج تويتر وغيرها من التطبيقات الالكترونية التي تنقل الحدث بالصوت والصورة.
نعود للحديث عن موضوع المتاجرة بالدماء والمبالغة في طلب الديات من أولياء الدم التي بلغت أو قاربت مؤخراً (60) مليون، وربما تتضاعف في المستقبل، ليتساءل المهتمين بهذه القضية عن سبب زيادة قضايا القتل بطرح عدة تساؤلات:
– هل أسهمت الألعاب الالكترونية التي يتعرض لها الناشئة من خلال مشاهد العنف منذ الصغر بدور سلبي في هذا الشأن ؟.
– ولماذا غابت عملية التوعية والإرشاد من الجهات الرسمية في المدارس والجامعات ومنابر المساجد والقنوات الاعلامية للحديث عن هذه القضية ؟.
– وأين تذهب الأموال التي تُدفع لعتق الرقاب حين طلب ذوي القتيل تنفيذ الحكم بالقصاص أو عند عفو ذوي القتيل عن القاتل لوجه الله ؟.
ما أود قوله، يبدو أننا بحاجة ماسَّة في هذا الوقت أكثر من ذي قبل للحديث عن هذه القضية ومثيلاتها كأحد القضايا التربوية المعاصرة، وعن مسؤولية الفرد والمجتمع حيالها، وعن دور مؤسسات المجتمع المدني في الحد من انتشارها، وتفعيل مراكز الأبحاث التربوية للبحث أكثر عن أسبابها ومعالجة القصور الذي تكشفه الدراسات من خلال النتائج التربوية.
خاتمة المقال: نتأمل قيام الجهات الرسمية بالدور المنوط بها من خلال وضع آلية مُحددة تسمح بالاجتماع بين طرفي القضية للتفاوض في مقرَّات مغلقة أو قاعات مُهيئة في المحاكم أو أمارات ومحافظات ومراكز المناطق ليكون هذا الاجتماع تحت مظلة رسمية، تفادياً لقطع الطرقات، ومنعاً لإحراج ذوي القتيل أمام منزله بطلب التنازل تحت الضغط وسيف الحياء، وحث أولياء الدم على العفو لوجه الله، أو قبول الدية المحددة شرعاً، أو طلب تنفيذ الحكم منعاً للعبث والتلاعب والمتاجرة بقضايا الدماء.
التعليقات