الأحد ٢٧ يوليو ٢٠٢٥ الموافق ٢ صفر ١٤٤٧ هـ

ما تفعله بنا الكلمات – بقلم الكاتب أ. هذلول بن حسين الهذلول

ما تفعله بنا الكلمات – بقلم الكاتب أ. هذلول بن حسين الهذلول

 

كا لرعود في جلبتها وكا لمطر في تساقطه وكا لزهر برائحته. تحاصرنا الكلمات من كل حدب وصوب. تلامس مسامعنا برقة بالغة أو قوة زائدة. ليرقص معها القلب جذلاً أو ترتاع معه النفس خوفاً وقلقاً. تلك هي كلماتنا القابعة في قلوبنا تندفع حيناً بقوة كاسحة إلى درجة التدمير. وتتهادى حيناً كعصفور صغير يتمايل فوق الغصن. منها نفرح ونسعد وبها نحزن ونغضب. لكلماتنا مفعول السحر وتأثير سريع يفوق في شدته أي شيءٍ آخر.

فكلمة واحدة تفتح ابواباً للأمل والنجاح بل وتشيد صرحاَ للمودة. ومثلها قاتل ومدمر يهدم بناء الحب وينسف الجهود وينكر الفضل. كلماتنا رسائل عاجلة على جناح الود حين تكون جميلة. وفتاكة حين تكون قاسية ومؤلمة. بكلمة واحدة قد يكون يومك سعيداً بأكمله وبمثلها قد يفسد جمال يومك ويتغير مزاجك للاسوأ. ما تفعله بنا الكلمات لا يمكن لنا نسيانه أو تجاهله أو حتى انكاره.

وشتان بين من يُسمعك صوتاً عذباً تُسر به نفسك ويُسعد به قلبك. وبين من يرسل لك كلمات كراجمات الصواريخ لا تبقي ولا تذر. فتحيل معنوياتك الى رماد وتعيث في نفسك تحطيما قاسياً. تلك الكلمات التي لا نلقي لها بالاً فنلقيها على عواهنها دون تمحيص أو تدقيق. ولهذا قالت العرب في امثالها : رب كلمة قالت لصاحبها دعني. كم من كلمة نهضت بمخفق ؟ ودفعت بإنسان ليخوض الصعاب ويواجه المتاعب؟ كم من كلمة حلوة قضت على عداوة قديمة وفتحت باباً للصفح؟ كم كان للكلمات من وقع شديد في التحفيز والتشجيع والثناء والشكر.

وقل مثلها في الاعتذار أو الدعم والمساندة. أحيانًا لا نحتاج سوى دعم معنوي يشحذ هممنا ويقوي عزيمتنا لننطلق. إنّ وقع تلك الكلمات علينا لا يمكن تجاهله أو التقليل منه. وكم بقيت كثيراَ من الكلمات ترنّ في آذاننا فلا ننفك عن التفكير بها. وكيف احدثت ذلك الفارق المميز بين وضعنا السابق ووضعنا الحالي. الكلمة الحلوة والجميلة بمثابة جواز سفر يخول لنا الدخول إلى قلوب الآخرين والقرب منهم والاستئناس بهم وملاطفتهم.

الكلام المهذب بوابة عبور نجتازها نحو تهذيب نفوسنا وترقيق طباعنا. فنحن بالكلمات الحسنة نعبر عن نفوسنا وحاجاتنا ونعكس صورة زاهية ومشرقة عن دماثة أخلاقنا. ولا يمكن أن تخرج كلمة طيبة من قلب توشح بالسواد وتلطخ بالخبث. حتى وإن سعى البعض لمحاولة خداعنا بحسن منطوقه. إلا أننا وفي ثنايا كلامه نتبين مدى كذبه وتلاعبه بالألفاظ.

فاللسان يغرف من القلب وعلى قدر ما يوجد في ذلك القلب من محبة وخير وجمال تكون الكلمات ذا معدنٍ نفيس وقيمة عالية. وقل مثل ذلك عن لسان السوء الذي يقذف كلمات كحمم البركان تُحدث من الضرر والتدمير ما يعجز اللسان عن وصفه. ومن المؤمل ألا نستهين بحديثنا وأنه مجرد كلمات عابرة نمضي بها الوقت وليس لها تأثير يُذكر. بل على العكس من ذلك يجب علينا التدقيق قبل النطق.

فمشاعر الاخرين وقلوبهم ليس ألعوبة في ايدينا متى شئنا حركناها أو عبثنا بها. كم تسببت الكلمات بإشعال نارٍ للعداوة؟ وكم اطلقت شرارة للحرب لم تنطفىء لمدة من الزمن؟ وكم هدمت من أسرة كانت تنعم بالاستقرار ؟ وكم فرقت بين حبيبين أو اخوين آو صديقين ؟ نعم تلك هي الكلمات الساخرة والبذيئة والمتعالية والمستفزة لها تأثير قوي أشد من السيف وأمضى من السم.

لو رجع كلٌ منا بذاكرته للوراء قليلًا لوجد أنّ مسار حياته قد اخذ منحناً آخر بسبب كلمة سمعها. أو تحفيز ناله أو ثناء سمعه. كم من الأشخاص تركوا عادة سيئة أو فارقوا سلوكاً مشيناً أو غيروا تعاملاً فضاً بسبب كلمات لا مست اسماعهم فلاقت منهم القبول والترحيب. للكلمة الطيبة والجميلة مغناطيس يجذب الجميع إليه. وصاحب القول المهذب تحبه القلوب مباشرة وترتاح له وتسعد بتوجيهه وارشاده وتأخذ برأيه ومقترحه.

فوقع كلماته على السامع كالمذاق الحلو والشهد المذاب. الكلمة التي تخرج من القلب تصل للقلب على الفور دون تأخير. أما الكلمة التي تخرج من اللسان فلا يمكن لها ان تتجاوز الآذان. وقبول الكلمة مقرونٌ بصدقها. إذ هو العنوان الرئيس الذي يطرق ابواب قلوبنا فترتاح له او تنفر منه. إنّ تهذيب الفاظنا وتأنيق كلامنا مطلب شرعي قبل أن يكون اخلاقي. فنحن محاسبون على كلامنا وما تقذف به ألسنتنا.

وربما كان هو طريقنا للنعيم أو الجحيم. ألا فليهذب كلاً منا منطوقه ويزن كلامه ويعرف ما للكلمة من تأثير إيجابي أو سلبي على سامعها. فالكلام على سهولة مخرجه يبدو عسيراً وشاقاً في نتائجه التي قد لا نتوقع مدى تأثيرها وسرعة انتقالها. وهي في نهاية الامر إما أن تكون لبنة بناء أو معول هدم. إما غيمة ماطرة أو عواصف شديدة تقتلع ما في طريقها وتدمره. تخيروا كلماتكم بعناية فائقة وهذبوا الفاظكم جيداً فالكلمة إذا انطلقت من عقالها لا تعود مرة أخرى كسابق عهدها.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *