يعتقد البعض أن الاعتذار نقطة ضعف لا ينبغي إظهارها، فهي تدل على الضعف والاستسلام، ويعطي الآخرين انطباعاً “زائفاً” بأنهم على حق.. ثقافة الاعتذار لدى بعض الشعوب أصبحت قيمة اجتماعية راقية. تدل على سمو الأخلاق وتقدير الأحوال، والعلم بأن حصول الخطأ وارد من الجميع ولن يسلم من ذلك أحد كائنا من كان.. الاعتذار وقبوله خلق عظيم يدل على النبل والكرم، ولا يعني بأي حال قبولاً للأمر الواقع أو الرضا بالإهانة، بل هو تقدير عال للوضع، وتغليب لروابط الأخوة والصحبة ووشائج القربى. وعدم السماح لزلة صغيرة بتدمير ذلك، وضياع ربما عمراً من الود والمحبة.
ثقافة الاعتذار ربما تكون صعبة على كثير من الناس، فهي تحتاج إلى كثير من المجاهدة وترويض النفس وتدريبها على تغليب وشائج والود والمحبة على حظوظ النفس ورغباتها. نرى الاعتذار وقبوله يسيراً في كثير من الثقافات الشرقية والغربية، ولا يتحرج كبيرهم ولا صغيرهم عن تقديم الاعتذار في حال بدر منه ما يوجب ذلك، بل قد يصل بالبعض منهم إلى التنازل عن بعض المميزات التي كان يتمتع بها ليُشعِر الجميع باعترافه واعتذاره عن الخطأ أو التقصير الذي بدر منه. وتستمر الحياة في المجتمع بكلمه اعتذار بسيطة تسقط أمامها الكثير من التصورات الكبيرة والزائفة في كثير من الأحيان.
ديننا الحنيف يحث على التواضع والعفو الصفح ورد الجميل بأحسن منه، قال تعالى: “… والكاظمين الغيظ العافين عن الناس والله يحب المحسنين” وقوله عز وجل: ” فاعفو واصفحوا” ، ” وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم” هناك شخصيتين أمام الاعتذار، شخصية عندما يقدم له الاعتذار وطلب العفو والمسامحة يكون رده قاسياً جافاً من معاني الرحمة والمحبة ، مستحضراً المقولة الشهيرة ” آسف … أصرفها من وين!”. لكن هناك شخصية أخرى على النقيض من الشخصية السابقة، فقد تكون ممن وقع عليها الخطأ، إلا أنها تبادر إلى مسامحة المخطئ، وإخباره أن علاقتهم أهم وأكبر من أن تتأثر بعابر زائل. فلها كل التحية.
من أشهر الاعتذارات ما جاء في لامية كعب بن زهير (البردة) وتعد من أشهر القصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم و الاعتذار إليه وطلب العفو منه . يفتتح كعب القصيدة بقوله:
بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ مُتَيَّمٌ إثْرَهــا لـــم يُفْـــــــدَ مَكْبـــولُ
وَمَا سُعَادُ غَداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا إِلاّ أَغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
أُنْبِئْتُ أنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعَدَني والعَفْوُ عَنْدَ رَسُولِ اللهِ مَأْمُـــــــــولُ
وقَدْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ مُعْتَذِراً والعُذْرُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مَقْبــــــــــولُ
وقد عفا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطى بردته لـ كعب. ثقافة الاعتذار قيمة رفيعة يجب العمل على إشاعتها في المجتمع والتشجيع عليها من خلال مسؤولي التربية في البيت والمدرسة وفي الوعظ على المنابر، وفي التجمعات العائلية واللقاءات الاجتماعية. فآثارها عظيمة ونتائجها رائعة.
لكم مودتي ..
M1shaher@gmail.com
التعليقات
تعليق واحد على "أصرفها وين ؟ – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر"
كلام رائع يا ابا عبدالله … 🌹