السبت ٣ مايو ٢٠٢٥ الموافق ٦ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

العلامة محمد بن ناشع – بقلم الدكتور عمر غرامة العمروي

العلامة محمد بن ناشع – بقلم الدكتور عمر غرامة العمروي

 

أيها الناظر والباحث في هذا الموجز اليسير، من حياة العلامة المربي، المؤرخ، الشاعر، اللغوي، الحافظ، الكريم، فضيلة الشيخ محمد بن ناشع، أنه رفيق درب، ومرشد، ومساند، وكريم، يتحلى بصفات العزة والشموخ، والمحبة وسمو الأخلاق.. فأما كونه مربيا، فسيأتي بيان ذلك في ثنايا مقالي هذا..

– أما كونه مؤرخا .. فلديه مخزون تاريخي، وفكري، لمن يبحث ويدرس ويرغب السماع منه لمبتغاه. وأما كونه شاعرا، فلديه ملكة شعرية قيمة راقية. وأما كونه لغويا، فهو يتكلم ويخاطب ويصحح لكل متكلم بالفصحة لغة القرآن الكريم. وأما حافظا، فأن الله منّ عليه بملكة الحفظ، فكل ما يسمع من المتكلمين يحفظ، وكل ما يقرأه يحفظه.

– وأما كونه قارئا .. فنعم، إذا اهدي له كتاب، أو أشترى كتابا، فإنه يقرأه كله، ولقد تشرفت فأهديت له نسخة من كتابي ( تاريخ الإمام ابن عساكر ) ويقع في 80 مجلدا، فأخبرني أنه قرأه في أقل من خمس سنوات، قراءة فاحصة، وفهم محتوى؛ بل وكان يخبرني بالغرائب فيما وعن ما قرأ، في كل مجلد من الكتاب.

– وأما كونه كريما .. فاني أشهد له بذلك، وإن كانت شهادتي فيه مجروحة بحكم المودة، والإخاء، لكن أقول انه كريم في نفسه، كريم في عطائه، كريم حسن ذات، في غير إسراف ولا مخيلة. وأما كونه رفيق دربي، فقد تعرفت عليه بواسطة شقيقه الشيخ ظافر بن عبد الله بن ناشع، سنة 1392هـ، وكنت في ذلك العام أبحث وأكتب، وأجمع كتابي ( معجم قبائل رجال الحجر ).. بعد ان كلفني بذلك شخي علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر ـ رحمه الله ـ ليكون كتابي الجزء الثالث، من سلسلة المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية. فقد رافقني في كثير من رحلاتي، وأرشدني إلى كبار السن وأهل العلم ممن لديهم العلم والمعرفة بأسماء القبائل، والقرى والجبال والأودية وغير ذلك مما لايتسع المجال لذكره هنا.

– ترجمته وسيرته .. هوالأستاذ المربي الأديب، والشاعر المؤرخ اللبيب والشيخ اللغوي الحبيب محمد بن عبد الله بن محمد بن ناشع البهيشي، من قبيلة آل بهيش، من قبائل الشهري – لقبه ابن ناشع، وكنيته أبوعبد الله – ولد عام 1355هـ في قرية ( صعبان ) من قرى وادي الظهارة في بلاد بني شهر.

حياته التعليمه .. نعم إن تعليمه حياة طويلة تنقل خلالها بين أقطار مملكتنا الغالية، مترامية الأمصار، وتعلم القرآن الكريم خلال 7 سنوات في الفترة من 1365 – 1371هـ في مسجد قريته، وتسمى المدرسة، حينئذ ( المعْلاَمة ) في بني شهر وما جاورها.

معلموه الأوائل : الشيخ عبد الله عبدالهادي بن عبد الله بن طه – المعلم النجدي القصيمي سعد بن رميح تصغير – المعلم محمد بن سعد الحزبري التنومي الشهري، ومنه تلقى مبادئ القراءة والكتابة والتوحيد والفقه في أمور الطهارة والصلاة، ثم سافر الشيخ إلى جده والمدينة المنورة ومكة المكرمة فأقام في كل من الأولى والثانية ثلاث سنوات، وسنة واحدة في مكة المكرمة تعلم خلالها :

أولاً : لازم ابن عمه من جهة الأم الشيخ ظافر بن محمد بن هندي الشهري، وكان الشيخ بن هندي يعمل إماماً ومرشداً في إحدى الشركات في جده، ثم في الحرس الوطني في المدينة المنورة، ثم في الجيش في مكة المكرمة، فتعلم منه كتاب الأصول الثلاثة في التوحيد، وفقه العبادات من عدة كتب، واستفاد منه في الوعظ والإرشاد، وأصغى منه إلى حسن التوجيه، وحب الدعوة إلى الله ورسوله.

ثانياً : علم الحديث – كتاب بلوغ المرام – ولم يتمه عند الشيخ رشيد رضا أحمد، مدير دار العلوم السلفية في المدينة المنورة.

ثالثاً : درس كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب ومصطلح الحديث على الشيخ حماد الحربي في دار الحديث في المدينة المنورة .

رابعاً : تلقى علم المواريث – متن الرحبية – حفظاً وشرحاً في المسجد النبوي الشريف، في حلقة تدريس الشيخ أبو بكر جابر الجزائري.

خامساً : تعلم مبادئ الحساب وأحكام التجويد، ومبادئ النحو – متن الآجرومية – عند الأستاذ عبد العزيز الجهني في دار العلوم السلفية في المدينة المنورة.

سادساً : درس القرآن الكريم في دار العلوم السلفية عند الشيخ منوّر “هندي الجنسية” وأحد منسوبي الدار.

سابعاً : استمع إلى دروس في الحديث عند الشيخ محمد بن علي بن تركي، وإلى دروس تفسير القرآن بالقرآن المعروف حالياً بأضواء البيان قبل أن يتكون كتاباً ويطبع لصاحبه الشيخ العالم محمد أمين الشنقيطي.

ثامناً : في مكة المكرمة في المسجد الحرام حضر حلقات الشيخ صالح العشماوي في دروسه ومواعظه في السنة، والسيرة وعرضه لقضية فلسطين.

تاسعاً : درس المرحلة الابتدائية في جدة، وفي المدينة المنورة، وأتمها في مكة المكرمة في المدرسة الخالدية في ريع الرسام، حيث تخرج منها بنهاية عام 1379 هـ ومديرها في حينه الشيخ صالح الميرابي، ووكيله الأستاذ عبد الله باحاور.

عاشراً : انتقل إلى الرياض في أول عام 1380هـ وتابع دراسته منتظماً في المعهد العلمي، ثم في كلية الشريعة إلى أن تخرج منها ( بالليسانس ) في نهاية عام 1388هـ.

أحد عشر : أثناء إقامته في الرياض، في فترات متفاوته، تخصص خارج أوقات الدوام في جمعيات أقيمت بالمعهد العلمي منها.. جمعية تحسين الخطوط حتى حسن خطه – جمعية الخطابة والإلقاء، إلى أن تقدم أداؤه – جمعية الجغرافيا، فعرف مواقع الكثافة السكانية في العالم وأنواع الخرائط، وأساسياتها، كما عرف معالم الدنيا البارزة التي من أعمال الإنسان، مثل تاج محل في الهند، وسور الصين، وسور القسطنطينية، ( استانبول ) حالياً، وسد يأجوج ومأجوج، وسد مأرب، ويقول لعل المدة الزمنية من خرابه إلى الأردن 3097 سنة، وهذا يفيد في معرفة بدء رحلة الأزد من مأرب، إلى أنحاء الجزيرة العربية وغيرها، ومن المعالم التي يتحدث عنها كثيراً قصر غُمدان في صنعاء، ويرى أنه الأول من ناطحات السحاب في الدنيا، وأنه أكبر محافد اليمن، وأنه عاش عَلَماً حضارياً، يشهد بلسان حاله على حسن إتقانه، إلى أن هدمه عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه – شارك جماعة الدعوة والإرشاد، فتجول مع أستاذه يوسف الملاحي وغيره، في أحياء الرياض، والدرعية، وسافر إلى الخرج، والأفلاج، وإلى المدينة المنورة، وغيرها، لنفس الغرض، وخصص لذلك عطلة الاسبوع، والعطل السنوية في الغالب.

الثاني عشر : سافر عدة مرات إلى مصر، للانتساب في الدراسات العليا في الجامع الأزهر، وتم قبوله في كلية الشريعة والقانون قسم أصول الفقه، وقرأ في بعض أسفاره بعض مذكرات أصول الفقه للشيخ محمد أبو زهرة، على نفس المؤلف، في داره في جنوب القاهرة، بعد تقاعده من عمله في الأزهر، كما قرأ عليه بعض قواعد الشافعية في كتاب “الأشباه والنظائر”.

الثالث عشر : حصل على دورة دبلوم التربية والإدارة من جامعة الملك عبد العزيز في مكة المكرمة في سنة دراسية عام 1399هـ، كما حصل على دورة التربية والتوجيه من جامعة الملك سعود في الرياض في نصف عام دراسي لعام 1413هـ.. وتقرر مما تقدم أن محمد بن عبد الله بن ناشع الشهري تعلم في ثلاث من جامعات المملكة العربية السعودية، وفي الجامع الأزهر في مصر، وأنه سافر لطلب العلم إلى المدينة المنورة، ومكة المكرمة، والرياض، والقاهرة.

سنين حياته العلمية : قضى في الفترة من عام 1365هـ إلى 1413هـ ثمانية وأربعين عاماً في طلب العلم على أيدي الأفاضل من علماء هذا البلد الطيب وغيره، في القرآن الكريم وعلومه، وفي الحديث ومصطلحه، وفي الفقه وأصوله، وفي التوحيد والفرائض، وفي اللغة العربية، وفي التربية والتعليم، وفي الدعوة والإرشاد، وفي الرحلات واللقاءات والزيارات والندوات.

حياته العملية : روى لي أنه اشتغل بالأجر الشهري في جدة حي الرويس عند شحاته عمرو الحربي، لمدة عامين – تعين كاتباً في الخاصة الملكية ( القصر الأخضر في جدة ) ثم في المدينة المنورة، لمدة عامين وتسعة أشهر – ثم تعين إماماً للجماعة في الحرس الوطني في المدينة المنورة، بوظيفة مستخدم بالمرتبة 99 وهي أول عمل حكومي قام به من 1/10/1377هـ، إلى أن استقال في 1/1/1379 هـ –  تعين مدرساً براتب جندي في شرطة الرياض في مدرسة ليلية لتثقيف الجنود في 1/8/1380هـ، إلى أن استقال في 1/7/1383هـ . تعين مدرساً في وزارة المعارف في 11/7/1389هـ إلى ان تقاعد في 1/3/1416هـ تدرج خلالها في المهام التالية : مدرس في التربية الإسلامية واللغة العربية في متوسطة النماص، ثم في متوسطة الظهارة، خلال خمس سنوات وستة أشهر – عمل مديراً للمتوسطة في الظهارة لمدة ست سنوات وسبعة أشهر. في 1/7/1400هـ افتتحت إدارة تعليم محافظة النماص، فكان أول مرشح للتوجيه في الإدارة، وباشر عمله ذلك في 29/8/1401هـ وقام إلى جانب التوجيه بالإشراف على التدريب التربوي، وحضر أول لقاءات موجهي التدريب التربوي على مستوى الوزارة مع عدد من مندوبي إدارات التعليم في منطقة حائل التعليمية – قام بأعمال إدارة التعليم عدة مرات نيابة عن مدير التعليم المؤسس الأستاذ عبد العزيز الهدلق – عمل مديراً للتعليم بمحافظة النماص من تاريخ 1/1/1403هـ إلى 24/7/1405هـ، ومن تاريخ تسليمه الإدارة إلى ان تقاعد عمل عشر سنوات أخصائي تعليم، فموجه لمادة التربية الإسلامية في نفس المحافظة.

مشاركاته : شارك في حملة التوعية الإسلامية ومحو الأمية التي أقيمت في وادي ترج لمدة مائة يوم، بوظيفة مشرف، وذلك في عام 1393هـ، أثمرت تلك بتأسيس المدارس التالية ( مدرسة القوباء ـ مدرسة الغِفْرَاتْ ـ مدرسة البهيم، وغيرها )- شارك في إحصاء المساكن والسكان للمملكة العربية السعودية في عام 1394هـ بوظيفة مفتش على منطقة بللسمر، من قبل وزارة المالية والاقتصاد الوطني، لمدة مائة وثلاثين يوماً، وله في ذلك شعر حدّد فيه العمران من بلاد بني الأسمر من الحجاز ونجد، وذكر بعض معالمها.. – شارك في حملة الإحصاء التي أقيمت في عام 1412هـ بوظيفة مراقب – قام بعدة لقاءات ومحاضرات في التربية والتعليم في مجال تخصصه. – مَثّلَ إدارة تعليم محافظة النماص في ندوة مديري التعليم التي أقيمت في الرياض في الفترة من 6-9/5/1405هـ – شارك في الوعظ والإرشاد محتسباً، وقام بالإمامة في الجمع والأعياد في الظهارة – كلف بالقيام بعقود الأنكحة من كل من رئيس محكمة بيشة الشيخ جابر الطيب بن علي عام 1393هـ، ورئيس محكمة النماص الشيخ عبد الرحمن بن علي بن شيبان في عام 1400هـ، بخطاب كل منهما فيما يخص ولايته.

انتاجه : له انتاج نثري، وشعري مخطوط، لم ينشر منه شيء من قبل، كتبه في مجال التربية والتعليم، وفي الجغرافيا والتاريخ، وفي الأنساب والتراجم، وفي الشعر الفصيح، وله قصائد جميلة، وقد ترجمت له.. له شعر في المدح، والغزل، والرثاء، والتوجع، والإخوانيات، والوصف، ينم عن إطلاع واسع وعلم نافع، وقد ترجمت له في باب ( أعلام وقادة التعليم )، وفي باب (شعراء الفصيح في رجال الحجر) والشيخ مفوه ويتمتع بطول نفس، وله قصيدة من شعره الفياض قالها في الشيخ عبد الرحمن بن شيبان، يوم سفره إلى مستشفى باكير في الأندلس ( أسبانيا حالياً ) للعلاج هناك، في شهر ذي القعدة من عام 1400هـ ( لوعة وحنين ).

حياته الإجتماعية : تزوج من أم أولاده الأولى فأنجبت له عبدالله، وناشع، وعدد من البنات، وقد توفيت الزوجة – رحمها الله – . ثم تزوج زوجته الثانية فأنجب منها ابنه ظافر.

وفاته : بعد ظهر يوم الأحد 5/5/1442هـ، فجعت محافظة النماص، والأهل، والأحباب، والأصحاب والأقرباء، بوفاة العلامة الشيخ محمد بن ناشع، وأظلمت قرية صعبان بوفات ذلك العالم الجهبذ الكبير، ونعاه كل من يعرفه ومن لا يعرفه، رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصدقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

 

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *