مرير .. إسم يحمله هذا الجبل الحاني والوادع بين جبال السروات،، جبل أشمّ أبى الا الغيم رفيقاً والجمال طريقا فالحسن سرّه وسلطانه وبين السحاب مرتعه ومكانه تتلاقح الغيوم من فوقه لتمطر فتهتز أرجاءه لتنبت رائعات الورود كفاتنة حسناء في ليلة عرسها تسلب العقول والالباب ارتقت الى حلل الكمال والسحر الحلال،، لم اكن أُحبذ ان يحمل هذا الاسم فكلمة مرير تعنى المرارة وغاية التعب ومنتهى القساوة..
عكس ما كنت قد عشته من ذكريات جميله يحن اليها الفؤاد وتتوق إليها النفس للوقوف والبيات فوق قممه وصخوره وبين أشجاره وحشائشه،، جبل غرس في نفسي حنيناً وحباً مقيماً امتزج بكل عواطفي المدنفة فاصبح محض عشق سرمدي لا يدع النفس إلاّ إليها ،،، كيف لا وأنا أحمل بين جوانحي نفس أمارة بالجمال* تنشد الحب والكمال،، هذا الجبل الذي من على قممه تنطلق النظرات في الآفاق البعيده فترى الجمال أمام ناظريك يغمر النفس سروراً وحبوراً..
ومن عليها تكاد تنطق النفس منطق الطير في بديع جمال التغاريد ومن على قممه تعانق نسمات الصبح بلحنها العبقري الخالد الذي يشنف الآذان ويأسر القلوب ويؤنس الأرواح والوجدان، نسمات هي أصل الفن وأسرار الطرب تستنهض النفس فتميل للحب ميل الشمس لمستقر غروبها وعليه غنت الأطيار قصيدة الحب على شجرة الحياة،، لي على هذا الجبل حديث نفس ونجوى فؤاد وهمس مشاعر إذ كتبت عليه بعض ذكرياتي وعليه رسمت الكثير من أمنياتي وغاياتي كتبت شيئا في الشعر وكثير من النثر وخواطر تحكي ما رسخ في النفس من تراكمات الوجد والفقد والحرمان..
عليه بكيت بكاء طفل يتيم فقد أمه وعليه ضحكت ضحك من لم يرى في الوجود حزن وألم،، عليه سكبت فيض مشاعري ودفق خواطري،، هناك تبادلت مع النجوم حديث المحبين ومع القمر مناجاة العاشقين وعليه تركت قطعة من فؤادي هي ذكرياتي عندما كنت أصحب والدي ويدي بيده نجول في أرجائه يحدثني عن متاعب “الحياة” وقسوة العيش في ذلك الزمن.. نعم هناك تركت قطعة من فؤادي عندما رحل كل عابر عن ذاكرتي الا مقام أبي يبقى بقاء الازل حتى يحل الأجل وتتقطع بي الآمال في ان القاه في هذه الدنيا الا أملي في ان نلتقي في جنة الخلد..
هناك كانت ذكرياتي مع أخي (علي) يوم ان كنا نتقاسم كسرة الخبز ونجعل من الكسرة كسرتين وهناك دونت على صفحات ذكرياتي.. ذكرياتي إبتساماتي ومعاناتي مع رفاق دربي وهناك كنا نمنّي النفس بقادم الأيام ونعللها بجميل الآمال والأحلام فتسلو فنعيش على “مل” وهناك أودعت حبي ووفائي لأهل ود أبي ومن كان يحفظ لهم ويحفظون له دوام الودّ والسؤال ونقاء النفس وطهر السرائر رحمهم الله..
فماذا فعلت بي أيها الجبل أوَ كلما اتيتك أنشد السكينه والأمن والسلام من عواصف الزمن وعاتيات الاحزان ومدلهمات الخطوب والآلام تذكرني بأبي وأخي وناسي فتسبر غور آلامي ودفين وجداني وحنيني لوجه أبي واخي وخلاني وحلم وجودهم الفاني،، لقد صحبت عليك أناس اخذتهم الآجال الى عالم غيبي لا نعلم منه الا إسمه انه الموت غاية كل حي وآخرون تفرقت بنا وبهم طرقات الحياة فذهبوا إلى حيث لا تلاقي بعد طول صحبة وتلاقي..
فكم قضينا من الاوقات على رباك نرعى الاغنام نلهو ونلعب ونتنفس هواءك ونعيش جمالك ونرقب الشروق في إنبثاقه وجماله والغروب في سحر جماله و كماله.. لم تكن الحياة الا سعادة يوم نعيشه وهكذا كانت الحياة إذ ذاك.. اليوم أعود اليك ياجبلي الحبيب وقد تغير كل شيء فيك فقد شوّه جمال طبيعتك واغتيل شموخ هامتك،، فيا أيها الجبل الحبيب هل تذكرني وتذكر سنين ود ٍ بيننا،، فعسى أن تذكرني بكل جميل ٍكما ذكرتك عساك.
فيا أيها العابرون من هناك بلغوا جبل ( مرير ) عظيم سلامي ثم أسروا إليه غاية شوقي ومنتهى وجدي وهيامي احملو اليه حنيني ودمعي الرقراق ثم لا تبرحو المكان حتى تنزلوا ب قمة ( الخيَلين ) هناك حيث دفنت شيء لا يعلمه الا انا وهوَ والهوى ثالثنا ثم إسألوه هل مكث قيس بقربه أوعليه او مرٌ به يوماً فترك عليه شيئاً أعظم مما تركت وهل تناقل العابرون حكاية إنسان هام به وعليه عشقا ثم غادر مرغماً فسافر بجسده في سماء غربته وعشقه وحنينه الأبدي،، يجوب الأرض جسداً والروح هناك معلقة.
– محمد أحمد الشهري –
aryaam22@hotmail.com
التعليقات
تعليق واحد على "ترانيم على جبل ( مرير ) – بقلم الكاتب أ. محمد أحمد الشهري"
ونعم يابو خالد تقبل تحياتي