بما أن الصحيفة الغراء سلطت الضوء مؤخراً على موضوع المتقاعدين .. فقد حداني قلمي للكتابة عن قصة قصيرة يرويها صاحبي عن والده المتقاعد… كان والده منشغلاً جل وقته في عمله فلا نكاد نراه إلا بين فينة وأخرى لدرجة أننا أصبحنا ننحدد موعد للجلوس معه، وقررنا بأن يكون غداء الجمعة من كل أسبوع.. ومع ذلك أصبح يشاركنا مرة ويتخلف عن الحضور مراراً.. وكنا نقدر له انشغاله في عمله.. وكانت العائلة تنظم وقتها عن طريق والدتهم في دراستهم وزياراتهم وارتباطاتهم وطلبات المنزل وخلافه.
وبعدها وصل والدي إلى السن التقاعدي.. وأصبح في بيتنا متقاعد.. وأعاد للحياة نظارتها وبهجتها.. يدخل المطبخ من الصباح الباكر لمراجعة الأواني ونظافتها ومواقعها في الدروج.. ثم يتولى متابعة الشغالة ليتابع أمور نظافة المنزل.. وللكهرباء أوفر الحظ والنصيب وما أدراك ما لمبات الكهرباء.. اتصالات متتالية إذا خرجنا من المنزل إلى أين ذاهبون ومتى ستعودون ولماذا التأخير وأسئلة طويلة جدا.. وبدأ استغرابه من وقت والدتي، لماذا السهر ولماذا الاجتماعات مع أقاربك ووو.. الخ.
وأصبح يقضي كل وقته في المنزل بتدقيق ما كان بالأمس شي عادي واليوم جريمة نكراء وكيف بهذه الحياة تعيشون وكيف على هذا الحال نسير. وبعد أن ضاقت والدتي ذرعا بما رأت قررت بأن تشغل وقته وتبحث له عن فكره تسليه.. وعليه الخروج من المنزل.. فأقنعته بأن يفتح مكتب عقار وأن يشارك أصدقائه القدامى استراحتهم..
وفعلا أصبح يقضي وقته من صلاة العصر في مكتب العقار الى بعد صلاة العشاء.. ثم يتجه للاستراحة لمقابلة أصدقائه والتسامر معهم ويعود قبيل الفجر… فعاد للمنزل هدوئه وسكينته ولم يعد يمتلك وقتاً للمهاترات والتدقيق بما يجري من صغائر الأمور في منزلنا الحالم.
التعليقات