لا تكفي كلمات الشكر، ولا تحيط عبارات الثناء، بما قدمته الدولة السعودية لجميع من يعيش على أرضها، أو من أبنائها في الخارج، منذ بدأت جائحة «كوفيد – 19» وليس الحديث هنا فقط عن التضحيات التي قامت بها الدولة وجميع المنتسبين إلى أجهزتها ذات الصلة بمواجهة الجائحة، بل يجب أن يمتد الحديث إلى الكفاءة المذهلة التي أظهرتها جميع أجزاء النظام الحكومي.
حيث عملت جميع هذا الأجزاء بشكلٍ متسقٍ ومرنٍ، تمكن من استيعاب صدمة الجائحة، وتجاوزها بأقل قدرٍ من الارتباك والتخبط، وهذه القدرة المدهشة لنظامنا الإداري الذي دأبنا على وصفه بالبيروقراطي والعقيم، جاءت من الروح الشابة التي بثتها «رؤية 2030» في أوردة نظامنا التشغيلي للدولة.
لقد تفوقنا في هذه الأزمة إداريا على كثير من الأنظمة المتقدمة التي كنّا نضرب المثل بكفاءتها ومرونتها، وهذا ليس من باب الأمنيات والثناء على النفس، فالواقع يثبت ذلك ويؤكده، ولأنّ هذا النجاح أسعدنا، بقدر ما أوجعتنا هذه الجائحة من جميع النواحي، كان لزاما على جميع أجهزة الدولة أن تعمل على تجنيب المواطن تداعيات هذه الجائحة بشتى الوسائل، فلا يصح أن يتحمل المواطن أكثر مما يطيق.
ربما يكون قرار إيقاف بدل الغلاء، ورفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المئة، مبررا لصانع السياسة المالية، وفقا لحسابات اقتصادية صرفة، إلا أن ما لا شك فيه، هو أنّ هذا القرار وما يشبهه، سيثقل كاهل المواطن، ويضعف قدرته الشرائية، خصوصا في ظل جحيم الأسعار الموجود في السعودية، وتغول رأس المال.
ففي الوقت الذي انخفضت فيه أسعار جميع السلع تقريبا، في جميع دول العالم، من بكين شرقا إلى نيويورك غربا، باستثناء السوق السعودي، حيث استمرت الأسعار في الارتفاع بشكل يخالف المنطق الاقتصادي، ونظريات السوق المفتوح والعرض والطلب، فالسعودي يدفع في السلعة ضعف ثمنها الذي يدفعه غيره في الشرق أو الغرب، بل حتى المتاجر الإلكترونية تخصص سعرا للمستهلك السعودي وسعرا أقل في بقية العالم، وبالإمكان مراجعة أسعار السلع في موقع أمازون بعد افتتاحه في السعودية، ومقارنة ذلك بمتجره الدولي.
هذا الاستنزاف لمدخول الفرد السعودي، في ظل غياب رقابة حقيقية للأسعار، وغياب عقوبات رادعة للمتلاعبين فيها، سيكون أمرا سلبيا يبتلع كثيرا من إنجازاتنا الإيجابية في مجابهة هذا الوباء، كما أنّه لا يصح أن يلجأ المشرع الاقتصادي إلى دخل المواطن كخط دفاع أول في مواجهة هذا الوباء، حيث يجب اللجوء إلى جميع أدوات التمويل والدين المتاحة قبل الوصول إلى جيب المواطن.
والاقتصاد السعودي يملك من المتانة والملاءة والخيارات ما يمكنه من تجنب الاقتطاع من دخل المواطن، ولن أستطرد هنا في الحديث عن أدوات التمويل المتاحة، فأهل الاقتصاد يعرفونها جيدا، ولكن من أهمها: اللجوء للاحتياطات الاستراتيجية للدول، فليس هناك وقتٌ أولى من هذا الوقت بها، كما يمكن اللجوء إلى تسييل بعض الأصول وخصوصا ذات السعر المتضخم، وغالبيتها من الأصول ذات الملكية القديمة، وربما كان اللجوء إلى تأجيل بعض المشروعات المليارية غير الحيوية أمرا متاحا كذلك.
ما أنا متيقنٌ منه أنّ حكومة خادم الحرمين الشريفين حريصةٌ على أبنائها فوق ما نتمنى ونطلب، ولذلك لا شك لدي أن جميع هذه القرارات تخضع للمراجعة والتقييم بشكلٍ مستمر، وأنّ الشعب السعودي سيكون سعيدا في المستقبل أكثر مما كان فيما مضى بمشيئة الله.
التعليقات