أما اليمن الحقيقية .. فهي تلك الأرض الواقعة جنوب غرب الجزيرة العربية، وتمتد من الطائف وتخوم مكة جنوبا والمعروفة بطود جبال السروات وتمتد إلى بلاد الزرانيق وبيت الفقيه وباجل في الجنوب الشرقي من ميناء الحديدة. وللإيجاز سأحاول توضيح بعض الأمور المهمة في مسمى اليمن، والنصوص الشرعية التي وردت فيه بشكل يجلي غمة ران القلوب المريضة، ونصحح المفهوم الخاطيء والمغالطات التي تردد من وسائل الإعلام وبعض الخطباء، وقولهم أن اليمن أصل العرب، وأن اليمن هو اليمن السياسي المتناحر اليوم، وعلى ذلك اقول:
أولاً : ( الإسم ) اليمن سميت اليمن بهذا الإسم وأصله من اليمن وهي الأرض الخضراء، وفي الكتابات السبأية القديمة ذكر اليمن بلفظ (يمنات)، وكذلك لأنها بلاد اليُمن والبركة، أي بلاد الخير الكثير الذي لاينقطع، وأيضاً بلاد البركة لأنها إشتهرت بإنتاج المواد التي تستخدم في الطقوس الدينية القديمة مثل: البخور واللبان وغيرها قبل وبعد بناء الكعبة المشرفة ..والسبب الثاني: وهو وقوعها يمين الكعبة المشرفة.
ثانيا : مصادر الاسم: ذكرت اليمن في الكثير من الكتب القديمة والتاريخية، منها التوراة، وكتب التاريخ الإغريقي، والروماني …الخ ، ووصفت باليمن السعيد، ولم توصف أي أرض في الدنيا بهذا الوصف غيرها، لتمتعها بوفرة في المياه والخضرة، ولطبيعتها الخلابة، ولأرضها الخصبة التي باركها الله، ولأنها أرض لمعظم الأنبياء، ولتعدد حضاراتها المهمة في تاريخ البشرية، ولدورها وبيوتها وقصورها الفخمة، ولجسارة وقوة شعبها الذي صنع من الجبال قصوراً شامخاً، ومدرجات زراعية في قمم الجبال الشاهقة
ثالثاً : ( ما هيتها ) تعتبر اليمن – بحسب الكتب التاريخية المختلفة، وبحسب ما توصل له العلم مؤخراً – الموطن الأول للجنس البشري على الأرض، ونقطة التجمع والإنطلاقة الأولى للهجرات البشرية منذ استوطنها أول الرسل نوح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، بعد الطوفان، وأولاده: سام جد العرب، وحام جد أفريقيا السوداء، ويافث جد سكان شرق آسيا.
رابعاً : تعتبر اليمن أرض العرب الأولى، والشعب اليمني هو من أصل الجنس العربي، واليمنيون هم أول من تكلم باللسان العربي، فقبائل اليمن الأولون ( عاد، ثمود، طسم، جديس، جرهم، العمالقة، أُميم .. وغيرها ) وكلها قبائل العرب القديمة التي انتشرت في الجزيرة العربية، والعراق، والشام، ومصر، وشمال أفريقيا، وظهر منها قبائل العرب القحطانية والعدنانية، ومن يعتقد أن عدنان مستعرب كما يقال فهو خاطئ لأن عدنان يعود إلى قبائل العرب القديمة التي هاجرت من اليمن إلى الهلال الخصيب، والشام، ومصر، وهم: الكنعانيون، والاشوريون، والاراميون، والفنيقيون، والبابليون الذين منهم إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولذلك فإن عدنان عربي، وبالتالي فإن نبي الله إبراهيم عليه السلام عربي وليس أعجمي، وليس له أي أصل أعجمي، بعكس ما قاله عدد من المؤرخين والنسابين الذين نسبوا نبي الله إبراهيم ووصفوه بالأعجمي.
خامساً : هجرات قبايل اليمن الأولى: هاجرت القبائل العربية من أرض اليمن تجاه الشمال، وسكنوا كما ذكرت في بلاد الرافدين والشام ومصر. ونشأ منهم الشعوب، وهناك العديد من الكتابات والكتب التاريخية التي أوضحت أصول شعب مصر القديم وأنها بلا شك تعود إلى اليمن ومنها: كتاب «جغرافية التوراة في جزيرة الفراعنة» للباحث في علم الآثار/ أحمد عيد، حيث أعاد الكاتب أصل الفراعنة إلى قبيلة العماليق التي هاجرت من اليمن إلى الشام ومن ثم هاجر بعضهم إلى وادي النيل وسكنوا مصر، وخلاصة ما نشر في هذا الموضوع هو أن لقب (فرعون) أصله باللغة العربية السبأية القديمة هو (فرعوم) وأن الهكسوس الذين حكموا مصر فترات طويلة قدموا كذلك من اليمن، وسموا الملوك الرعاة، وأن الحضارة المصرية لا تنفصل عن بيئتها المحيطة المكونة من مجموعة من القبائل اليمنية التي سكنت وادي النيل والصحراء الليبية الكبرى وشمال أفريقيا وموريتانيا.
سادساً : قبيلة جرهم اليمنية الشهيرة هي أول من سكن بأرض مكة، وهي من آوت إليها نبي الله إسماعيل عليه السلام، وأمه هاجر، ومن نسلهما جاءت القبائل العدنانية، وجرهم هم من ساهموا في بنا الكعبة مع أنبياء الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وتزوج نبي الله إسماعيل من بناتها، ومن ذريتهما عدنان ومن ذريته معد ونزار، ومن سلالتهما جاءت كنانة، ومن كنانة جاءت قريش ومن قريش نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام، لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أهل اليمن هم مني وأنا منهم ) لكن سياق ونص الحديث وغيرها الكثير من الأقوال المأثورة عن الرسول التي يشير فيها إلى علاقته بأهل اليمن لا يعني اليمن الدولة السياسية الحالية المعروفة اليوم كما يردده الجهلة في وسائل الإعلام، وإنما جزء يسير من شمالها الغربي كما سياتي بيانه، فإنها في الماضي ثلاث اقسام: 1 – دولة سبأ: ومنها مارب وصرواح والجوف والاحقاف وشبوة وزنجبار وحضرموت. 2 – دولة معين: ومنها ازال (صنعاء) وتعز وما جاورهما وعدن وما جاورها. 3 – دولة حمير: ومنها صعدة وحجة وساحل البحر الاحمر إلى مضيق باب المندب.
سابعاً : بلدان اليمن وقبائله اليوم، وقد دخلها الأحباش والأفارقة واضمحلت الأصالة اليمنية فيها الا القليل، واستولى عليها ملوك الحبشة وقتلوا ملوك واقيال اليمن من التبابعة وغيرهم، مما جعل اليمن اليوم مختلطة الأعراق والأصالة.
ثامنا: ذكرت بلاد سبأ من اليمن في القرآن، وحملت سورتين من سور القرآن أسماء مناطق فيها ( سبأ، الأحقاف ) سبأ امتدت من مأرب شمالاً إلى شبوة شرقاً، والأحقاف في جنوب الجزيرة وفي حضرموت، ووصف الله اليمن بأنها ( جنة، وبلدة طيبة ) ولم يطلق على أي أرض هذا الوصف في القرآن غيرها، وقد تفرق أبناء اليمن في المعمورة.
تاسعاً : مفاهيم مغلوطة، وفضائل منتحلة: يدعي الجهلاء وصانعي البلاء أن الأحاديث الواردة في السنة الشريفة جميعها، إنها لشعب اليمن الحالي، وهذا من الكذب والإفتراء، فشعب اليمن لم يسلم ولم يفد على النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وإنما دخلها الإسلام بعد أن كتب لهم النبي كتبا لبعض اقيالها، وأرسل بعضاً من الصحابة لدعوتهم إلى دخول الاسلام ومن أوائل الصحابة: – الصحابي الجليل : خالد بن الوليد. – الصحابي الجليل: وبر بن يحنس الازدي. – الصحابي الجليل : معاذ بن جبل. – أمير المومنين علي بن ابي طالب – رضي الله عنهم أجمعين – وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن ياتيه أهل اليمن الا قبائل ( همدان ) .
عاشراً : أما الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوه وناصروه، فهم : – الأزد : أسد الله في أرضه وهم قبائل: غامد وزهران ، ورجال الحجر، وبالقرن، وقبايل عسير، وبارق. – وانمار ( ومنهم خثعم وبجيلة )، وفِي قبائل الأزد وانمار، وردت أحاديث النبي التي ينتحلها ويتبجح بها أهل يمن الحوثي وعفاش وحزب الأقلاح المارقين.
– قبائل مذحج .. ومنهم قبائل قحطان الحالية المنتشرة في المعمورة وفيهم قال صلى الله عليه وسلم: ( اكثر اهل الجنة مذحج ). هولاء هم أهل اليمن بحق وحقيقة، وهم الذين أكرمهم الله، وجاءت السنة بفضائلهم، وليس لغيرهم، وهم الذين شرفهم الله تعالى بأن جعل قيام الدولة الإسلامية في المدينة، وتأسست في يثرب ( المدينة المنورة ) وعلى أيدي أبناء عمومتهم الأوس والخزرج من القبائل الأزدية الذين سماهم الله في كتابه ( الأنصار ) . وقدجاءات فضايل هولاء بإسم اليمن، بأسباب ما سبق أن بيناه.
– تفسير سورة النصر .. ولعلنا هنا نستعرض تفسير سورة النصر التي يتخذها أهل ( يمن عفاش والحوثة والأقلاح ) سلماً إلى ذكر الإسلام والتفاخر به كما يصنع أسيادهم المجوس الفرس (تقية) ومتى نزلت سورة النصر، فاذا علمنا ذلك عرفنا أن أهل اليمن هم أخر من وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وليسوا أهل الفضائل الواردة في الكتاب والسنة . قال الله – سبحانه وتعالى -: [ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا (2) ] ( النَّصر) . اصح الأقوال عند أهل العِلم في وقت نزول سورة النصر؛ أنّها اخر سورة وأنها نزلت بمِنى في حجّة الوداع، ولم ينزل بعدها الا قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) وقد عاشَ رسول الله – صلّى الله عليهِ وسلّم – بعدها ثمانينَ يوماً؛ ولذلك فإنها تُسمّى سورة التوديع؛ فقد فسّر الصحابي الجليل ترجمان القرآن عبد الله بن عبّاس – رضيَ الله عنهما – سورة النصر فقالَ في تأويلها إنّها دلالة على إقتراب ودنوّ أجل رسول الله – صلّى الله عليهِ وسلّم -.
– “فقول: «اليمن» يعني كل الارض والقبائل التي تيامن الكعبة المشرفة وتقع جنوبها، وبيان مقصود الحديث؛ إنه ليس لليمن المتناحر اليوم الذي يتسابق على الفتك به، ذيول إيران الحوثة، وأخدان قرد وغان حزب الأقلاح، وحكام قطر المرضى، وبراثن الإرهاب الدولي المزروع في بلدان اليمن، نعم كل هولاء لا اختصاص لهم بالصفات المذكورة في الكتاب والسنة حتى يظن ذلك من يظن، ولكنها لمن هم جنوب الكعبة، وهم الذين يحبهم الله ويحبونه، الذين قال فيهم: [ مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ] ( المائدة: 54 ). وهؤلاء هم قبائل السروات الأزدية والمذحجية وانمار، الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نفس الرحمن عن المؤمنين الكربات”. أي أنه كلما ضاق الأمر بالمسلمين يأتي أهل تلك البلدان ممن ذكرناهم، ليذودوا عن حياض المسلمين ،وينفسوا كرباتهم، وينتصروا لدين الله وللمسلمين.
قال الله عز وجل : [ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ..] ( آل عمران: 31 ) فمن أحب الله واتبع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فاز بحب بالله وهم الذين نزل فيهم قوله سبحانه وتعالى: ( يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ( المائدة: 54 ) فإن الجهاد هو رأس الواجبات الشرعية، وبه يقوم عماد الدين، ويرتفع شأنه، وتتسع دائرة الإسلام، وتتقاصر جوانب الكفر، ويهدم أركانه الى قوله – عز وجل -: ( وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ) ( المائدة: 54 ) وهذا هو شأن الإخلاص والقيام لله – عز وجل -، من قبائل الأزد وانمار ومذحج، وعدم المبالاة بمن يخالف الحق، وينابذ الدين. وجاء بالنكرة في سياق النفي، فيشمل كل لائمة تصدر من أي لائم كان، سواء كان جليلاً أو حقيراً، قريباً أو بعيداً. وما أدل هذه الأدلة على قيام من ذكرناهم في كل أمر بمعروف أو نهي عن منكر، القيام الذي لا تطاوله الجبال، ولا تروعه الأهوال.
التعليقات