الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

 عيد “الكريسمس” المسيحي – بقلم الكاتب د. عمر العمروي

 عيد “الكريسمس” المسيحي – بقلم الكاتب د. عمر العمروي

 
أولاً : هو عيد ميلاد ( المسيح عيسى بن مريم ) عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ويُعتبر ثاني أهم الأعياد المسيحية على الإطلاق بعد عيد القيامة، ويُمثل تذكار ميلاد يسوع المسيح وذلك بدءًا من ليلة 24 ديسمبر ونهار 25 ديسمبر في التقويمين الغريغوري واليولياني غير أنه وبنتيجة اختلاف التقويمين ثلاثة عشر يومًا يقع العيد لدى الكنائس التي تتبع التقويم اليولياني عشية 6 يناير ونهار 7 يناير .

ثانياَ : حكم فعله من اي مسلم في الشريعة الاسلامية :

 ان كان فاعله، يفعله ويعتقده وفق ما يعتقده النصارى ففعله محرم، تحريم بواح، لان غايته عند المسيحيين: شرك اكبر، وكفر يخرج من الملة ويوجب لمرتكبه الخلود في النار، لما يلي:

أ / لانهم اجمعوا على قتل نبيهم: وقالوا فيما اخبر الله عنهم : ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ). قال المفسرون : (( بسبب قولهم – على سبيل التهكم والاستهزاء: هذا الذي يدعي لنفسه هذا المنصب ( قتلناه ), وما قتلوا عيسى وما صلبوه، بل صلبوا رجلا شبيهًا به ظنًّا منهم أنه عيسى ومن ادَّعى قَتْلَهُ من اليهود، ومن أسلمه إليهم من النصارى، كلهم واقعون في شك وحَيْرَة، لا عِلْمَ لديهم إلا اتباع الظن، وما قتلوه متيقنين بل شاكين متوهمين.. اذا كان هذه هي معتقداتهم، وهذا فعلهم فكيف للمسلم يوافقهم على ذلك.

ب / دعواهم بانه ابن الله: وانه ثالث ثلاثة، كما اخبر الله عنهم:( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ) وهذا كفر بواح، والحاد، وظلم، وشرك،  فالنصارى يقولوا ثلاثة أشياء: هي الأب، والابن، وروح القدس. والله لعن الكفار في كتابه العزيز في اكثر من عشرين اية، وبهذا الحال المشارك لهم يقرهم على ان قولهم ( الأب، والابن، وروح القدس )، نعوذ بالله من الجهل بعد العلم، ومن الكفر بعد الإيمان، ولا نقول: لربنا وخالقنا ورازقنا الحي القيوم جل جلاله: ( الا اننا نشهد بان الله واحد احد فرد صمد وانه لم يتخذ صاحبة ولا ولد، ولا ند ولا شريك له ولاشبيه ولا مثيل) ، كيف يرضى المسلم يوافق الذي يسبون الله عنوة ويحادونه جل في علاه ويقتلون نبيه ويفخرون بذلك، كيف يرضى بمشاركتهم ومودتهم.

ثالثاً : اما المسلم المشارك دون الاعتقاد، فحكمه انه اثم ولا يجوز له مشاركتهم مطلقا، لما في ذلك من الموافقة لهم على منكراتهم، ومشابهتهم والرضاء بافعالهم المخالفة للدين والتي جاء ديننا فنهانا عنها وبين لنا حرمتها وما فيها من المخالفات لما شرع لنا نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم .

رابعاً : هذا نبي الله عيسى عليه السلام يخبر عنه: القرآن العظيم فيقول تعالى، أنه قال: ( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا )، هذا دين المسيح إن كنتم تعقلون! هذا دين المرسلين، هذا دين الله للعالمين، عبوديةٌ وخشوع لله ربِّ السموات والأراضين، والمحافظة على الصلوات والقربات، وإيتاء للزكاة والطهارات، وبر للوالدين وصلة للأرحام، أفلا تتفكرون؟! أفلا ترجعون! أفلا تتوبون! ثم العجب كل العجب من المسلم الموحِّد، القائل في صلاته: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )، وهو أعظم دعاء، كيف يتابع المغضوب عليهم والضالين؟! على مثل هذه الأعمال؟! والله يقول: ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) .

خامساً : وقال سماحة الامام ابن باز رحمة الله: ( لا يجوز للمسلم ولا للمسلمة مشاركة النصارى أواليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم بل يجب ترك ذلك؛ لأن (من تشبه بقوم فهو منهم) والرسول ( ﷺ ) حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم. فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك وألا يساعد في إقامة هذه الأعياد بأي شيء؛ لأنها أعياد مخالفة لشرع الله، ويقيمها أعداء الله فلا يجوز الاشتراك فيها ولا التعاون مع أهلها ولا مساعدتهم بأي شيء، لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بأي شيء من الأمور كالأواني ونحوها. وأيضاً يقول تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )  فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان، فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة ترك ذلك، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بالناس في أفعالهم، الواجب أن ينظر في الشرع الإسلامي وما جاء به، وأن يمتثل أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام وأن لا ينظر إلى أمور الناس فإن أكثر الخلق لا يبالي بما شرع الله، كما قال الله في كتابه العظيم: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) وقال سبحانه: ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين ) ، فالعوائد المخالفة للشرع لا يجوز الأخذ بها وإن فعلها الناس.

سادساً : قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه : ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ): ” مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء”انتهى كلامه رحمه الله. ومن فعل شيئا من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة، أو توددا، أو حياء، أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم ” انتهى من “فتاوى ابن عثيمين” (3/ 44).

 سابعاً : كما أن المشاركة لهم في أعيادهم واحتفالاتهم الباطلة، مشابهة لهم، وتوليًا لهم ولذويهم، وقد قال عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) . وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ليس مِنَّا من تشبّه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى» وقال أيضًا : «ومَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم» (رواه أحمد). والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وقد ذكرنا منها ما يكفي. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان خطورة هذه الأعياد على الأمة: “والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرّهم عليها، أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها، فإن الأمة حُذِّروا مشابهة اليهود والنصارى، وأخبروا أن سيفعل قومٌ منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، منذ اخترام أنفس المؤمنين عمومًا” (( اقتضاء الصراط المستقيم؛ مخالفة أصحاب الجحيم )).

ختاما : وبناءً على ما تقدم من الأدلة، وأقوال علماء الأمة، وما في هذه الأعياد من المفاسد والشرور، يتبين لنا حرمة مشاركة أهل الكتاب أو المشركين وغيرهم في أعيادهم، وشعائر أديانهم الباطلة، ربنا لا تهلكنا بما فعل السفهاء مِنَّا: ( إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ ۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ )، وفقنا الله جميعًا لاتباع سبيل النجاة والرضوان، وجنَّبنا أسباب السخط والخسران، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه. اللهم احفظنا بالإسلام، قائمين وقاعدين وراقدين، ولا تُشمِت بنا عدوًا ولا حاسدًا، نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شرٍّ خزائنه بيدك. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

 
 
 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *