الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

تُنُومه سقاها الله .. أنموذجاً – بقلم الكاتب أ. عبد الله معدي الخشـرمي

تُنُومه سقاها الله .. أنموذجاً – بقلم الكاتب أ. عبد الله معدي الخشـرمي

 

من عمق التراث الحجري جاءت شيلة ( تُنومة سقاها الله )، وهي تكتسي لون الربخة، وتتزين بحلّة الجناس التام الذي يعد حليةً فنّيةً خاصةً يتميز بها الفن الحجري على مرّ عصوره،وجاءت هذه ( الشيلة ) أيضًا من عمق الأدب الجاهلي على بحر الطويل ( فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن )، هذا البحر الذي كتب عليه الحجري الشاعر والبليغ الساحر الشنفرى لاميته المجيدة والفريدة لامية العرب التي تأثر بلحنها ونظمها جميع الشعراء، والتي تعد أول وأقدم قصيدة عرفها الأدب الجاهلي على هذا البحر.

من المؤكد في الجاهلية أن لهذا البحر لحن عظيم فجر قريحة الشعراء، فهم لم يعرفوا الأوزان الشعرية بتاتًا، وأول من وضع علم العروض هو الخليل بن أحمد الفراهيدي في القرن الثاني للهجرة، بعد أن تعلم الموسيقى والإيقاع ليتمكن من ضبط الألحان، فالأوزان الشعرية جاءت متأخرة، لكن الشعراء في الجاهلية عرفوا الألحان الأدائية،وأتقنوها،وأنشدوها في أنديتهم، وأسواقهم، ولذلك نجد ثلاث قصائد من سبع معلقات جاءت على هذا البحر، بل إن معلقتان منها جاءتا على نفس حرف القافية وصوتها.

ومن المؤكد أيضًا بأن ليس الشعراء وحدهم من تأثروا بهذا اللحن الجميل، وهذا البحر المميز، بل نجد حتى المُلقين الذين كانوا يلقون قصائد كبار الشعراء في أسواق العرب الكبرى،كسوق عكاظ، وسوق حباشة، هم أيضًا تأثروا وتغنوا بالمعلقات،حيث إن الشعراء في الجاهلية لم يكونوا يلقوا قصائدهم بأنفسهم بل كانوا يمنحوها إلى أصحاب الأصوات الجميلة ممن لديهم درايةً تامةً بأغراض الشعر، ويجيدون أداء الألحان.

وأعود للشيلة المليونية محور المقال،التي تجاوز عدد مُشاهداتها ( أربعة ملايين مُشاهدة )، والتي أبدع كاتبها البروف صالح أبو عرّاد في سبك أبياتها وتسجيع قافيتها، وتشجين مشاعرها، وتنويع صورها، حتى بانت لنا تحفةً شعريةً فريدةً،تطرب لسماعها جميع الأعمار والفئات، وكأنه يثبت لنا بأن الموروث يعيش مدهشًا حتى يومنا هذا لم ينتهي عصره بعد، ويثبت أنه مايزال متربعاً على عرش الشعر والغناء العربي، فلكل عصرٍ ذواقة للفن الجميل، يحرصون على الكلمة واللحن والصوت، لتظل خالدةً تتغنى بها أجيال المستقبل.

ومما يميز هذه الشيلة تحديدًا تضافر المؤلفين المبدعين الذين شاركوها رحلة الملايين، فالفنان أ. محمد بن فهران، والشاعر م. سلمان بن زاهر، ممن أسهم بفعالية في منح الساحة الشعبية نماذج مُتنوعة من ألوان الموروث الشعبي الحَجري، وكذلك منح الساحة التراثية كمًا لا بأس به من الشعر والألحان التُراثية، والأداء الجميل الأصيل، وحتى أكون واقعياَ؛ فقد أوجد لنا هذا الثلاثي الـمُتناغم ملحمةً تُراثيةً رائعةً نتلمس فيها رقة المشاعر، وروعة الحب،وجمال تُنومه الزهراء، وللإنصاف أقول إن الإبداع من نصيب الثلاثي:

– – أبو عرَّاد، وبن زاهر، وبن فهران  :

ويتواصل الإبداع بين تُنومة وشعرائها العِظَام، ويتواصل اللقاء بين كبار المبدعين فيها، ليتبوأ التراث الحَجْري مكانته الكبيرة التي تليقُ به في عيون عشاقه، ولعُشاقه كل الحق في الترنم به، وتعبير شجونهم من خلاله، وأن يجمعوا فيه الكلام العذب والألحان الشجية والأصوات الجميلة، ولطالما كان الموروث باقةً تجمعُ أجمل الزهور لونًا وعبقًا، لذلك أتقدم بالشكر الكبير لهذا الثلاثي الموهوب على هذه التحفة التراثية الرائعة التي تقول أبياتها:

تنومه سقاها الله جبالٍ ووديانــــــــــــي

حبيبي يحل بها وربعي وخلانــــــــــــي

تمنيت محبوبي يجيني ولا جانــــــــــي

ودمعي غزيرٍ من عيوني على أوجـانــي

تنومة ديارٍ حَـــــبها كل من جـاهــــــــــــا

ونفسي تدور في الهوى درب منجـاهـــا

أنا أعشق ديارٍ صاحبي حل بقــــرَاهــــا

رسايل صحيبي كل يومٍ وأنا  أقراهـــــــــا

أنا مَنْ لقلبي في دروبِ الهوى، مَن لَــــه؟

وحكم الهوى ماهو على مَــذهب ومِـلـــه

على مابقلبي صابر، ودمعـي أهِـلَّــــــــه

ولاني بشاكٍ هَم روحـي لـغــــــــــــير الله

 

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *