الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

إلى معلمتي مع التحية – بقلم الكاتبة أ. أمل أحمد الجميل

إلى معلمتي مع التحية – بقلم الكاتبة أ. أمل أحمد الجميل
 
 
قبل ما يزيد على التسع سنوات عندما كنت في صفوف الدراسة الثانوية وتحديداً في الصف الثاني ثانوي، على بداية ترم جديـد وهناك بعض الشائعات عن تغيب معلمة الرياضيات، وأخرى عن إنتقالها ولا أصف لكم فرحتنا ذاك الصباح رغم أني من محبي مادة الرياضيات ودخـــــلت القسم العلمي بكامل إرادتي، و لكن سنحظى ببعض الحصص الفارغة للضحك وتبادل أطراف الحديث عن أفلامنا المفضلة وأخــر المسلسلات الدرامية التي أبكتنا وعن تلك الروايات التي نخبئها بحرص شديد عن إدارة المدرسة، وعلى غفلة منّا وبسبب علو أصواتنا لم ننتبه لدخـــول المعلمة الجديدة للمادة حتى وقفت أمام السبورة تنتظر هذه المهزلة أن تنتهي ولا حياة لمن تنادي، وأظنها والله أعلم ظنت فينا خيراً كثيـراً و آثرت أن تعطينا مهلة عدة ثواني ما ان انتهت المهلة حتى صاحت بنا : ” على مكانك انتي وياها ” .
 
وكأننا أوراق أشجار عاثت بها الريح، هي أجزاء من الثانية ولا تسمع نفساً ولا ترى حركةً، وجوهنا وَاجِمة من هول الصدمـة، ثم إلتفت الى السبورة وكتبت بسم الله الرحمن الرحيم وتحتها حديث شريف وأعادت وجهها إلينا وسلمت ثم قالت: انا معلمة الرياضيات الجديــــــدة إسمي نوره ثم بدأت بسرد قائمة تطول من القوانين الصارمة، أحدها : يمنع الكتابة معي حين أنتهي سأعطيكم وقت للكتابة قبل مسح السبـــــــورة، ومن تأتي بعدي لن تدخل حصتي، والكثير منها.
 
بدأنا حصتنا الأولى وكتبت في كل شبر على السبورة حتى لا تجد مكاننا لحرف واحد ثم قالت: سأعطيكم خمس دقائق سأذهب وأعود لمســـح السبورة إن لم تكتبوا بسرعة فهذه مشكلتكم. تتطاير الأقلام والأوراق تسابق خطواتنا، نود فقط أن نكتب ولو شيء بسيط نذاكر منــــه لاحقاً، كنا حينها نغضب من تصرفاتها هذه وربما دعونا عليها غفر الله لنا و لها، ولكن خلال تلك المهلة التي أعطتنا تعلمنا الكثير، وضعنا خطــــــة فيما بيننا بأن تأخذ كل واحدة منا جزء تكتبه حتى نحصل فالنهاية على الدرس كاملاً ونعطي بعضنا بعضا لم يسبق لنا ان تعاونا بهذا القـــدر، حتى أن بعضنا تساعد الأخرى في الكتابة إن وَهْنت يداها، تعلمنا كيف نحصل على ما نريد مهما كانت الظروف والصعوبــــات التي تواجهنا، ظننا أنها تعاقبنا ولكن لم يكن كذلك أبداً..
 
لم ينتهي ذاك الترم إلا وقد تحسن مستوى عملنا كفريق واجتزنا الكثير من الصعوبات معها، ليس على مستوى الرياضيات فقط بل حتى على مستوى شخصياتنا وإنضباطنا وقربنا من الله أذكر أنها علمتنا فضل آية الكرسي بعد كل صلاة وأنه لا يمنعك من دخول الجنة إلا أن تموت، و انا من وقتها حتى هذا اليوم ما زلت أحافظ عليها، وكلما تذكرت ما علمتنا أدعو لها، رغم أننا كنا نخافها كثيراً إلا انها احسنت فعلاً بنا ولـــو عاد بي الزمن لقبلتُ رأسها شاكرةً لها. لم يكن المعلم يوماً من يلقي بالدرس على مسامع التلاميذ ويخرج مسرعاً بل من يخلق لهم عــــــادة جميلة و يعزز مهارة و يقّوم سلوك، وكما قال أمير الشعراء :
                                                                      قُم للمعلّمِ وَفِه التبجيلا ..  كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا 
 
وختاماً : تمنياتي لكم بعام دراسي مكلل بالنجاح .
 
 
 
 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *