الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

السلوك الجمعي للعمل الخيري في الحج – بقلم الكاتب أ. حسن علي العمري

السلوك الجمعي للعمل الخيري في الحج – بقلم الكاتب أ. حسن علي العمري

 

يطل علينا هذه الأيام في وطني الكبير موسم الحج، وفيه يجتمع شرفا الزمان والمكان اللذان يتشرف بهما كل منتسب لهذا الكيان الشامخ على مختلف المستويات، وما تحمله في ثناياها من تظاهرة إيمانية ملايينية قل نظيرها عبر حقب الزمان، ولن أسهب في الحديث عن استشعار أهمية ذلك، ولا في التطرق للمنظومة الهائلة من بيئات الخدمات المختلفة والمتكاملة لخدمة ضيوف الرحمن، ولا كون ذلك مصدر شرف وفخر لأهل هذا البلد قيادة وشعبا، فذلك أمر لا يحتاج لمزيد قول، فشواهده لا تعد وشهوده لا يحصون.

وسأحاول هنا أن ألتقط من زاوية مختلفة مشهدا يتكرر سنويا، وتنتج عنه بعض التشوهات في السلوك الجمعي للحشود، ولأن دراسات الجماعات تركز على مجموعات الأفراد التي تتفاعل فيما بينها سعيا نحو تحقيق أهداف معينة مشتركة، فالاهتمام بدراسة أمر معين لا بد أن ينصب على الجماعة وليس الفرد بحسبان الجماعة هنا تمثل وحدة التحليل.

تتوق الأنفس الصادقة بجبلتها لفعل الخير في مواسم دينية معينة، وعلى الرغم من عدم نجاعة ربطه بموسم زماني أو مكاني إلا أن التهافت عليه في مواسم محددة محط نظر، كما أن العشوائية وعدم التنظيم والترتيب الفاعل لهذه الأفعال قد تفقدها غايتها التي يسعى إليها فاعلوها، وما رصد خلال الأعوام الفارطة من هدر وإسراف فيما يتم توزيعه بالمشاعر المقدسة من المبرات الخيرية – غير المنظمة – سواء في المياه أو العصائر مسبقة التعبئة أو في الوجبات الغذائية وبشكل تتنافس فيه تلك المبرات في العمل العشوائي ما يتجاوز حدود المقبول، حتى بدت تلك السلوكيات التبذيرية مشهدا يتكرر في كل هذه المواسم، حتى تظن أن ذلك تعبير عن التفاخر والمباهاة أو أنه سعي للتخلص من تلك الأطعمة والمشروبات، وهو ما يجب علينا أن نتوقف عنده ونعيد معه كثيرا من قناعاتنا إذا علمنا حجم الجهد المبذول من قبل الدولة في هذا الاتجاه.

ومن يشاهد ما يرمى في ساحات المشاعر من المياه الصالحة وحجم المخلفات نتيجة لذلك من التبذير في المأكولات يشي بأن تلك الأموال قد تم تبديدها وصرفت في غير محلها ولغير مستحقيها، وأنه بالإمكان توجيهها والاستفادة منها بصرفها لمن يحتاجها في مكان آخر، ولنا في تجارب الأعوام السابقة خير دليل، فمن تأملها بعد تحول الحجاج عنها وجد الطرقات مليئة بأكوام متنوعة لم تستعمل أكلا أو شربا تداس بالأقدام، بخلاف ما حوته مواقع تجميعها من الكميات الكبيرة ليكون مصيرها الحتمي مكبات النفايات، وهو ما يعني ببساطة أن ما ألقي فيها دون استعمال كان زائدا على الحاجة الضرورية بمراحل عدة ، فضلا عن سوء المنظر الذي يتنافى مع دعوة الدين الحنيف لوجوبية النظافة وإماطة الأذى وإعطاء الطريق حقها، في ظل نقل تلك المناظر عبر وسائل الإعلام المختلفة في ذات اللحظة حية على الهواء، كرسالة سلبية ومؤثرة في المقابل على كل ما هو إيجابي وجميل، وكأن الحاج قد أتى إلى المشاعر المقدسة فقط ليروي حاجاته الفسيولوجية فقط ثم يعترك مع ما تبقى منها قذفا بيديه ورفسا برجليه!

ومن المؤسف أن مخالفة جمال الرواء هنا سلوك ينم عن الجهل الفاضح لممارسيه، ينقلونه معهم بإصرار غريب إلى كل مكان تحط فيه رحالهم، إن مثل هذه العشوائية والإسراف في هذا المنحى مصدر تشوه بيئي مسيء، خاصة عندما يكونون بمنأى عن أن تطالهم يد القانون وتمسهم سياط عقوباته، في ظل أن الجهود التي تبذلها لجنة السقاية والرفادة تحتاج إلى مزيد من التنظيم الإداري، ووضع الضوابط الكفيلة بالقضاء على التوزيع العشوائي في هذا الموسم وما سيليه من المواسم وتقنين عملها وفقا لمقتضيات الحال.

ختاما، الأمر بحاجة آنية لوقفات مراجعة وتصحيح وآلية معالجة تسهم في تنظيم عملية التوزيع للسقيا والأطعمة الخيرية كما تمت معالجة غيرها من الظواهر، وألا نرتكن إلى فكرة أن الزمن كفيل بمعالجة هذه السلبيات حتى لا يكون ذلك من كفر النعم، وتذهب مأسوفا عليها ثم لا تعود.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *