السبت ٣ مايو ٢٠٢٥ الموافق ٦ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

كرسي الحلاق .. بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري

كرسي الحلاق .. بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري

.

في العادة نستفيد من الاندماج مع المجتمع والاحتكاك بمكوناته والحديث مع من تعرف ومع من لا تعرف فتستمع الى قصص وأحداث تستفيد منها في حياتك الخاصة وقد تنقلها لآبنائك ناهيك عن قائلها وعمره .. ففي ذات يوم وأثناء مراجعتي لأحد الوزارات جلست بجوار أحد الشباب وهو أصغر مني سناً ولكن الحكمة او القصة وخلاصتها تاخذها للإستفادة وليس لها معايير وشروط حتى تستفيد منها أو لا تستفيد .. 

وبطبيعيتي أحب دائما أن اتحدث من هو بجواري، فلعلك تجد منه ما يثري حصيلتك الفكرية والاجتماعية وما تجعله ينير دربك عند حاجتك.. سلمت على الشاب وسالته عن سبب مراجعته لهذه الوزارة وسالني كذلك، وسالته عن عمله وسالني عن عملي، ولكني عندما تعمقت في السؤال عن عمله .. تمعر وجهه وتغير فندمت أني سالته..

وحاولت الابتعاد عن هذا الموضوع الا انه أراد الاستمرار وأن يحكي كل ما في قلبه.. فلم أحب أن اقاطعه وتركته يحكي ما يريد. فكانت قصة “كرسي الحلاق” التي لم تفارق ذاكرتي حتى اليوم من عدة سنوات.. فاخبرني بأنه كان يعمل في جامعة كبيرة حكومية بمدينة الرياض، وكان رئيسه في العمل لا يكلف أحد من الموظفين بأي عمل يحتاجه ولا يثق في أي شخص الا في هذا الشاب، الى درجة أنه أصبح من الموانة بينهما انه يرسله الى المنزل والمشاوير الخاصة الخارجية،

بل ويدخل عليه المكتب دون استئذان، يتبادلون الأحاديث والسوالف والمزوح بشكل لفت نظر جميع موظفي الجامعة، واصبح كما يقول محسوداً منهم على هذه الثقة، وبعد عدة سنوات من هذه العشرة الجميلة، جاء القرار المفاجئ بترقية المسؤول الكبير الى رتبة أكبر في مكان آخر .. قال فندمت عليه أشد الندم وأصبحت في حالة نفسية يرثى لها ـ فلقد فقدت أباً وأخا وصديقا، وبعد أن مرت السنين كنت بحاجة الى صديق عمري الذي أطمع بأن يكون سندي في هذا الوقت بالذات،

 فتوجهت إليه مسرعا والدرب أمامي مزروع بالورود والزهور، وعندما وصلت إلى مدير مكتبه بلغته بان يسمح لي بالدخول على صديق عمري، فطلب مهله دقيقة حتى أبلغه هل يسمح بالدخول أم لا .. فقلت لا يحتاج أن تبلغه أنا سوف أدخل عليه مباشرة لانه أكثر من أخي في هذه الامور .. الا انه أصر على ان استريح حتى ياخذ الموافقة، فقلت ولك ذلك، وقلت هذا موظف لا يعرفني وقد يكون لديه توصيات بذلك، وبعد ان انتظرت عدة دقائق،

خرج السكرتير، واخبرني بأن صديقي المسؤول قد رفض دخولي في هذا الوقت، فانصدمت صدمه لم تكن في حسباني اطلاقا، ودخلت في حالة هستيرية، وبدأت ابحث له عن الاعذار فقد يكون مريض أو مجهد أو لديه اجتماع، حتى لا اضيع على نفسي احب انسان في حياتي، الى الان لم أصدق ما جرى.. كأنه حلم ليل، حيث قمت بالصلاة في مبنى المسؤول والتقيته بعد الصلاة، فكانت الصدمة الحقيقية حيث لم يكن الاستقبال كما كان والترحيب أقل من المستوى المعهود والوجه يشوبه التمعر والملامح يخالطها الاستعلاء،

 فايقنت بان الرجل الغالي والحبيب والصديق قد اصبح من أخبار الماضي الأكيد، فانصرفت ولم اطلب منه حاجتي، حاملا اكبر صدمة في حياتي، ومرت السنين وشاء الله أن يعود المسؤول الكبير الى وضعه الطبيعي ويرجع الى ادارته السابقه ويصبح واحد منا .. فذكرته بما كان منه.. فكان عذره كثرة الشغل والمشاغل .. وما كان ردي عليه الا ان  قلت ياسعادة الدكتور ..

لا تأمن “كرسي الحلاق”، فيوم تكون فوقه ويوم ينقلب فوقك. (انتهى)- هذه العبارة ( كرسي الحلاق ) لا زالت ترن في اذني في كل وقت وأصبحت لا اطمع في هذا الكرسي ولا أسال عنه ولا أسعى له،  ومن الطريف في هذه الحكاية .. بأني كلما جلست على “كرسي الحلاق” ( اقصد كرسي الحلاق المعروف للحلاقة ) تذكرت مقولة الشاب الذي قال .. انتبه من “كرسي الحلاق” فمرة تجلس عليه ومره ينقلب عليك. فاقول الله يستر علينا من كرسي الحلاق أيا كان نوعه ..

ونصيحتي لكل من يجلسون على كراسي الحلاقة .. اقول لهم اعتبرو قبل ان تكونوا عبرة لغيركم .. وأقول لكل من يتزلف لكل جالس على كرسي الحلاقة .. تنبه انه قد يكون حالك كحال الشاب صاحب القصة.. فتخرج كما قال المثل المصري من المولد بلا حمص .                     .

.

التعليقات

4 تعليقات على "كرسي الحلاق .. بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري"

  1. احسنت وبارك الله فيك فكم نحن غافلون عن هذا الكرسي
    احسنت
    بينت فافصحت عبرت فابلغت وفسرت فابلغت

  2. بعيدا عن موضوع المقال الثري ..
    اسلوبك في الكتابه من السهل الممتنع والشيق جدا
    اتمنى اقرا لك اكثر

  3. شكراً لك استاذ محمد العمري على نقلك لهذه القصة التى حولتها بفقهك للواقع ..الى حكمة يدركها العقلاء ويفقه معناها الموفقين
    تقبل تحياتي

  4. ما أكثر أولئك الذين يتشبثون بتلابيب المنصب الرفيع رغم انحدار مستوى عطائهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *