الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

مكة من الطوفان إلى سلمان – بقلم الكاتب أ. عبدالله معدي الخشرمي

مكة من الطوفان إلى سلمان – بقلم الكاتب أ. عبدالله معدي الخشرمي

 

كانت الكعبة قد رفعت حين غرق قوم نوح عليه السلام ، فأمر الله ابراهيم وإسماعيل صلوات الله وسلامه عليهما أن يعيدا بناء الكعبة شرفها الله على أساسها الأول ، فأعادا بنائها لمّا أراد الله ذلك ، فكانا أول من رفع قواعد البيت هما ابراهيم وإسماعيل ، ووليا أمر مكة بعد نوح عليه السلام ، ومكة يومئذ بلاقع ( صحراء ).

كان حول مكة جُرهم ، فنكح اسماعيل عليه السلام امرأة منهم ، وقد كان أول من فتق لسانه بالعربية المبينة ، وهو ابن اربعة عشرة سنة ، وولي البيت بعد ابراهيم عليه السلام ، ثم صارت إلى بنت ابن اسماعيل وقد كانت أمه جرهمية ، ثم مات بنت ابن اسماعيل ولم يكن قد كثر أبناء اسماعيل فتولوها جرهم ، فكان أول من ولي البيت من غير أبناء اسماعيل هو مضاض بن عمرو بن غالب الجرهمي.

ثم تولى أبناء مضاض أمر مكة كابر عن كابر حتى بغت جرهم بمكة عظمها الله ، واستحلوا حرمتها وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها ، وظلموا من دخل مكة ، ولم يتناهوا عن منكر فعلوه حتى كان الرجل منهم اذا لم يجد مكانًا يزني فيه دخل الكعبة ، فزعموا ان اساف بغى بنائلة في جوف الكعبة ، فمسخهما الله حجرين ، ووضعا عند الكعبة ليتعظ الناس بهما ، فلما طال مكوثهما عُبدا أصنام.

كان أحدهما لاصقًا بالكعبة والآخر في موضع زمزم ، فنقلت قريش الذي كان لاصقًا بالكعبة إلى الآخر ، فكانوا ينحرون ويذبحون عندهما ، وفي رواية أن اساف كان عند الحجر الأسود وأما نائلة فكان حيال الركن اليماني ، وفي رواية أخرى أنهما أخرجا إلى الصفا والمروة فنصبا عليهما ليكونا عبرة وموعظة ، فلما كان عمرو بن لحي ( وهو أول من غير دين مكة عند دين إبراهيم ) نقلهما إلى الكعبة ،ونصبهما على زمزم ، فطاف الناس بالكعبة وبهما حتى عُبدا من دون الله.

كانت مكة قبل الجاهلية لا ظلم ولا بغي فيها ، ولا يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه ، وكانت تسمى الناسة ، وقيل إنها سميت بكة لانها تبك عناق البغايا اذا بغوا ، وقيل انها سميت بكة لازدحام الناس بها ، وقيل سميت بكة لأن اهلها كأنهم ينس من العطش ، فلما لم تتناهى جرهم عن بغيها ، تفرقوا جميع ابناء عمرو بن عامر من جرهم ، فانخزع بنو حارثة بن عمرو بن عامر ووطنوا تهامة فسموا خزاعة.

بعث الله على جرهم الرعاف والنمل فأفناهم ، فاجتمعوا غبشان من خزاعة وبني بكر من كنانة ليجلوا من بقي من جرهم ،وقاتلهم رئيس مكة عمرو بن عامر حتى أحس بالهزيمة ، فخرج بغزالي الكعبة والحجر الأسود يلتمس التوبة والمغفرة ، فلما لم تقبل توبته ألقى بالغزالي وحجر الركن في بئر زمزم ودفنها ، وخرج معه من بقي من جرهم إلى أضمم من أرض جهينة ، فجاءهم سيل كبير وذهب بهم جميعًا.

ثم تولى أمر مكة عمرو بن ربيعة من قبيلة غبشان من خزاعة ،وقد كان كلاب جد رسول الله عليه الصلاة والسلام ( وهو من قريش من كنانة ) قد تزوج امرأة اسمها فاطمة من أزد شنؤة ، وأنجب منها قصي الذي عاش عند أخواله ، وقد كان أسمه زيدًا ، لكن سمي قصي لأنه كان قصيًا عن عشيرته الأصلية في مكة ، ثم عاد إلى مكة مع إخوانه من أبيه الذين كانت أمهم من قبيلة قضاعة ، وساد عليها بعد أن أجلوا خزاعة منها.

ثم تولت قريش أمر مكة ، وتعاقبت عليها الدول الإسلامية ، ابتداءً من الدولة الأموية مرورًا بالعباسية والأيوبية والفاطمية والعثمانية وانتهاءً بمملكة الحجاز عند الأشراف التي انتهت بانضمام مكة إلى حكم الدولة السعودية الثالثة عام 1343هـ في عهد المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز ، ثم ولي عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله بنصره إلى يومنا الحاضر.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *