اتفقت جميع دول العالم على تجريم غسل الأموال وعدتها جرائم ذات خطورة عالية فأقرت لها العقوبات المغلظة وفقاً لأنظمة مكافحة غسل الأموال لمساسها المباشر باقتصاديات الدول وسعيها لتحويل الأموال القذرة إلى نقية لا حرج فيها, ثم توسعت في تتبعها بإقرار التحقيق الموازي لهذه الأنشطة لكي تقضي على منابعها وتوقف مكائن انتاجها, وفي خلال السنوات الفارطة نشأ لدينا تجارة موازية لغسل الأموال القذرة وهي غسل الدماء البشرية علنا بعشرات الملايين, ملقيةً بضلالها على أخلاق المجتمع في انتكاسة صارخة لمفاهيمه الأصيلة, وللمهتمين فلا يوجد سبب مقبول لكثرة قضايا القتل الضاربة بأطنابها في كل زوايا المجتمع سوى ما يذكيه تجار الدماء والتجهيل الذين يتسابقون عند كل ذائعة في هذا الشأن طلباً للإثراء غير المشروع ، مستغلين عواطف المجتمع المجبولة على فعل الخير لتنشأ أساليب التسول عبر تجييش العواطف لجمع الأموال الطائلة في هكذا ظروف وبصورة أخرى أشد توسعاً لما يمارسه المتسولون أمام الصفوف في المساجد وعلى أبوابها وفي المحال التجارية وبعض الشوارع ، وأنا أسأل أين هؤلاء القوم الذين دفعوا عشرات الملايين – لقاتل معتد – عن ذوي الفاقة والحاجة الحقيقيين المتعففين على الأقل من قبيلتهم أو من اقاربهم ومعارفهم ؟ أليس كل واحد منا يعرف العديد من خاصته هم بحاجة لهذا المال أكثر من غيرهم ؟ فماذا فعلنا لهم إن كنا صادقين ؟ ولماذا يستنهض الجميع قضهم وقضيضهم لإخراج هؤلاء من محبسهم ؟ ولو عرفت الجميع الأسباب الحقيقة لإزهاق الأنفس البريئة لما دفع لأحدهم هللة واحدة ، لأنهم بغاة لم يكن أحدهم في الغالب الأعم مدافعاً عن عرض أو مال أو نفس, ولكن كل تساؤلات القوم حتماً ستبدُد عند مشاهدتهم لأي المقاطع المصورة والمنشورة لأحد الذين زادت بهم أموالهم وجهلهم معاً وهو يحرض بكل سفاهة على القتل قاطعاً وعداً على نفسه أنه سيبيع أبراجه وفنادقه وسياراته وكل ممتلكاته عند الحاجة لكي لا ينفذ حكم القضاء الشرعي في أحد القتلة من بني جلدته كدعوة صريحة للعيث في دماء الأخرين , وهذا ولا ريب تحدٍ صارخ لسلطان الدولة وأنظمتها الحاكمة وهو فعل يوجب تحريك الدعوى العامة ضده لمقتضيات المصلحة العامة ، درءً لإثارة الفتن وتأديباً له وممن على شاكلته ، فهذه الأفعال تؤدي الى تعميق ثقافة التعصب والانتهازية ملقية بأحجار في طريق سير المجتمعات لصناعة التقدم ، كما أنها تنشط ثقافة التخلف والكراهية بين مكونات المجتمع, فيما كنا نعتقد أننا قطعناه من أشواط في سبيل رفع الوعي المجتمعي وترسيخ القيم الإيجابية ليأتي من يستغل ويستخدم تلك التعبئة السلبية للعقول إما لإدارة مواقف معينة أو لخدمة مصحلته سعياً لكسب مادي ليخلق لدينا إشكالية الولاء الإثني لكثير من أفراد المجتمع ، وهذه المسالك فيها من الخطورة ما لا يتصور على المدى القريب والبعيد ، فعند تعمقها واستفحالها ستتحول في نهاية المطاف الى مدية مغروزة في خاصرة قيم الدولة المدنية الحديثة. ومحاربة هذه السلوكيات واجب وطني يتحمل نجاحه أو فشله الجميع على كافة المستويات.
المختصر البصري
- تتشابه طرائق شحذ المال بين من يبتغي المليون ومن يطلب الريالات ففيهما إراقة لماء الوجه والكذب واستجلاب العواطف وبذل شيئأً من الدموع عند الحاجة.
- الكثير من تجار الدماء وصلوا للإثراء غير المشروع من العدم نتيجة اذكاء هذا الأمر والسعي فيه بقصد ظاهره الإصلاح وطلب العفو وباطنه جمع ملايين الريالات من دماء الأخرين .
- كما تطورت لدينا قيمية ما يسمى بالهياط الاجتماعي فسنصل حينا من الدهر تكون الديات بعشرات الملايين بعملة الدولار بدلاً من الريال عندما لا يعد الريال يشبع نهم غاسلي الدماء.
التعليقات