الثلاثاء ١٣ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٦ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

فن اكتساب الخصوم والأعداء! – بقلم الدكتور فايز الشهري

فن اكتساب الخصوم والأعداء! – بقلم الدكتور فايز الشهري

 

هل تصدّق أن هناك بين الناس من يمتلك مهارة ابتكار الخصوم والأعداء بوعي أو بدون وعي، ومن صحب الدنيا طويلاً لابد أنه رصد أخطاء ونماذج لأناس يقضون معظم وقتهم في استخراج أسوأ ما في البشر من عقد، وتحويلهم من أصدقاء أو زملاء أو معارف محايدين إلى خصوم وأعداء.

وبعد تأمل سلوك وعلاقات هذا الصنف من البشر ربما يمكن تلخيص بعض الخصائص التي تجعل منهم ماهرين في اكتساب الخصوم وإبعاد الأحبة. ولعل أول ما يلفت النظر في سمات هذه الفئة هو مسارعتهم لإساءة النيّة في كل أمر يعرض عليهم، وإساءة النيّة هذه تأتي ثمرة طبيعيّة للحرمان من نعمة حسن الظن في الناس، فبدلاً من الحكم دون تحيز أو تصور مسبق تجدهم يبادرون إلى الأحكام القطعيّة السلبيّة دون سند أو تجربة.

ومما يتفرّد به من يتقن اكتساب الخصوم أيضاً هو المبادرة بتحقير أفكار الآخرين دون سابق معرفة بتاريخهم وتأهيلهم وتجربتهم، وهؤلاء في غالبهم يحكمون على الناس بما ترسّب في أذهانهم من تراكمات سلبيّة ( ثقافيّة واجتماعيّة ) عن الأشياء والناس. كنت شريكاً لأحدهم في فريق اختيار مرشحين لمهام في مكان يتطلب مهارات وتأهيلاً خاصاً، فكان كلما استعرض ملفاً لأحد المرشحين ممن لا يراهم أهلاً للمقابلة يذكر أن هذه الجنسيّة أو تلك المنطقة لا يوجد فيها من هو أهل لهذه الوظائف. وحينما كنت أقول له: يا زميلي العزيز نحن أسرى الأحكام المسبقة لقوالب و « صبات » فكريّة أطرت أحكامنا، يرد متجهماً ثم يسرد قصصاً طويلة عن سبب فساد هذه المؤسسة أو تلك، مؤكداً أن سبب ذلك هو أن معظم قادتها من منطقة معينة هو كثير الذم لأهلها.

ومن أهم ما يستجلب الخصوم والأعداء، داء الأنانيّة واستئثار « القلّة » بالفرص والمكاسب وحجبها عن الآخرين، وتكثر هذه الظاهرة بين طبقة الموظفين في القطاعات الحكوميّة وشبيهاتها، حيث يتكتّل المنتفعون حول المسؤول الأول الذي يمنح الفرص والمكاسب بحسب التأثير المباشر وغير المباشر لهم، والنتيجة أن تجد هذه المؤسسة بعد مدة وقد تحولت ساحة « داحس والغبراء » جراء تحاسد وتصارع الخصوم.

ومما يستجلب الخصوم مهارة قمع المبدعين وعدم تشجيع عرض الآراء والأفكار. أذكر « مديراً » كلما جمع موظفيه للتطوير ينهي الاجتماع بعبارته الخالدة « كل ما ذكرتموه مأخوذ في الحسبان قبل هذا الاجتماع » ثم يقول متأففاً بعد أن يدوّن كل النقاط: « للأسف لا يوجد أفكار جديدة »، ولم يفطن هذا المدير إلى خطورة حالته إلا مع جرأة موظف مشاغب قال في بداية أحد الاجتماعات: أدعو زملائي إلى عدم تقديم أيّة أفكار جديدة حتى يقدّم لنا سعادة المدير قائمة بكل الأفكار « المأخوذة بالحسبان » حتى لا نكرر أنفسنا ويضيع الوقت.

ومما يجلب الخصوم عدم المبادرة بالتوضيح وإزالة سوء الفهم، وحين تصطدم بمن لا يريد إلا الخصومة ولا يعيش إلا على الفتنة فتجنبه وستأتي به الأيام صاغراً. •قال ومضى:

يا عزيزي لم أضعك ضمن قائمة خصومي .. فأنا ببساطة لا أمتلك تلك القائمة

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *