حينما نقلب في ذكرياتنا وصورنا البعيدة، تسترجعنا النماص لنفتش عنها وتعاتبنا أننا مررنا دون أن نذكرها أو نلحظها وتستنكر النماص أننا نسيناها أو كدنا ! .. وتسألنا النماص بعمق عن ذلك إستفهاما وتعجبا … النماص لم ننساها لكنها نسيت هي نفسها أو أسقطت وجودها من الذاكرة ! – وإن جاء السؤال : كيف ؟ فيكون الرد بسؤال يملؤه السؤال والتعجب والحزن والإنكار! -هل النماص اليوم هي النماص السابقة التي كانت تملأ المكان والزمان والحال والذاكرة بالجميل والعطر من الشذى والندى والعبير والمناظر الآسرة والخلابة وهي تزرعنا جزء من طبيعتها البكر الساحرة والجميلة !
قراها وطرقاتها ومبانيها وجبالها وأهلها كانوا جميعا يغرقون في مروج خضراء تجعلنا جزء من تلك الطبيعة المأنوسة بالخضرة والخير والنقاء الذي لا يرمز لشي أكثر مما يرمز للطبيعة الحقيقية التي نمى عليها إنسان النماص مثلهم مثل أي قرية نقية أو واحة ندية تعمق فيها جذر الإخضرار ونمى على أرضها وفي جنباتها وفي أزقتها وطرقها وعلى مبانيها المتجاورة .
الحقول التي كان الناس يزرعونها كمصدر رزق تلاشت بين صلف وحسد وكسل وجشع .. وغدت حقول غابرة من تراب يبكي بحرقة تغير الناس والزمن وهجر الأيادي الكادحة والأقدام الفالحة، غدت أراض من غبار وشوك وحنين وذكريات ماتت مغدورة بيد جيل أكل ونمى من بقايا خيراتها ليجحد ويعلن في غرور أنه ينفصل عنها وعن أبائه وأجداده ليبحث عن مقعد له في قطار يفرح كثيرا بأن عدد الراحلين عن الأرض يزداد ويزيد نسيانهم لكل شي جميل تركه لهم أسلافهم الراحلون أو حتى وإن بقي من أولئك الأسلاف من يحصد مرارة أن يتم نسيانهم كما نُسي كل شي حولهم!
النماص بدورها تجحد ماضيها الجميل فكأنها ماكانت يوما وجها أخضرا جميلا تتهادى سنابل حبوبها مع أغصان فواكهها وأشجارها، وكأنها ماكانت عروس( العرعر ) يوما، تلك الشجرة العطرة الأصيلة الجميلة التي تذوب أماكن أخرى لتراها بين زينة أرضها فلا يتم لها ذلك فتحسد النماص عليها .. وليس العرعر فقط بل العشرات من أشجار الخضرة والجمال والغذاء التي تتيه في حقل أوجبل أو وادي.
اليوم النماص جرداء مجدبة معزولة عن عالم الطبيعة والجمال والجذب وعن أولئك الناس الذين كانت النماص يوما عالمهم المملوء بالجمال والذين كانوا يتنادون في كل صيف ومن كل مكان ليرتموا في أحضان جمالها وطبيعتها وأهلها، ويرحلون عنها فلا تفارقهم في أحاديثهم ولاتبرح ذكرياتهم فينقلون ويتناقلون عنها أجمل الحديث ويمنون أنفسهم بالعودة إليها لاحقا.
النماص الآن كأنها لم تسمع أن بالإمكان التشجير وعمل الحدائق والأحزمة التي ترسم النماص الجميلة من جديد، كأنها النماص نسيت أو لم تسمع أن هناك مدنا وسط الصحراء غدت بالتشجير جنات وأنها غيرت وجه الجدب والحر والجفاف الى عالم من الجمال والخضرة أعطى لها معنى جديد لحياة تكون الشجرة والخضرة مصافحة للنظر فيشع المكان جمالا وبهاء وبهجة.
النماص كانت يوما جميلة في كل شبر فيها! لكن حينما هاجر الجمال من بيوتها وأزقتها الضيقة الجميلة، وحينما أرتحل ذلك البعض الذين كانت تهمهم وكانت حياتهم وسلوتهم عندها إنكفات النماص وسلمت وجهها للشحوب والغبرة ولتجار القبح الذين بالغوا في تعميق الجفاف والغربة والخوف والذين عليهم أن يتوقفوا عن عبثهم أو أن يتم إيقافهم.
النماص اليوم عليها أن تزرع وجهها وتعود بأيدي أهلها وأبنائها وأجهزتها الحكومية والأهلية والمعنية بأن ترد على النماص وجه جمالها ورداء حياتها فهناك في النماص طاقات لاتتوانى أن تجعل النماص تعود كما كانت نهرا من الجمال يتدفق في النماص التي كانت يوما عروسا للسروات.
التعليقات
تعليق واحد على "النماص .. غصن يجفف الذاكرة – بقلم الكاتب أ. مبارك سعد الشهري"
كلام صحيح جدا ليت بلدية النماص والمدارس والكليات تعتمد اقتراحات التشجير واعادة حماية المسطحات الخظراء والاهتمام بكل انواع الاشجار بالذات العرعر والتي كان هناك قبل سنوات قليلة مهرجان لها بالنماص لكنه بدا وانتهى ومات الله يرحمه ماكنه كان والموضوع في المقال يندب حض منطقة كانت جنة وواحة مظرب المثل الا انها ماتت لصالح الجشع والحسد . نريد لفتة جماعية تظهر حب الجميع للنماص وشكرا لصاحب الموضوع .