أخي الصائم، أختي الصائمة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فيقول أحد دعاة الاسلام: (( كان رمضان عند السلف قرآناً وصياماً ونصراً وقدراً وفتحاً وبِراً )).
والـمعنى أن لصيامنا في شهر رمضان معاني عديدة، ومقاصد متنوعة، ومفاهيم كثيرة نوضحها فيما يلي: – كان رمضان شهراً للقرآن الكريم عندما يجلس العباد فيه الى مائدة القرآن الكريم فيتلون آياته، ويتدبرون معانيه، ويتدارسونه فيما بينهم بنفوسٍ خاشعةٍ، وقلوبٍ لينةٍ، وعيونٍ دامعة، يبتغون بذلك كله وجه الله تعالى، ويطلبون رضوانه.
– كان شهراً للصيام عن الطعام والشراب والجماع، والبُعد عن الأحقاد والمآثم والشرور، وكف الألسن عن اللغو والغيبة والنميمة والكذب، وغض البصر، وصيانة السمع عن المعاصي والآثام، وحماية البطن من أكل الـمال الحرام؛ فيكون المسلم بذلك صائماً كله لوجه الله سبحانه وابتغاء مرضاته.
– وكان شهراً للنصر ورفع راية التوحيد خفاقةً في كل زمانٍ ومكان بدءًا بغزوة بدر الكبرى، ومروراً بفتح مكة، ثم تتابع انتصار جيوش الإسلام في حطين وعين جالوت، وأخيراً معركة العاشر من رمضان عام 1393هـ.
وليس هذا فحسب؛ فهو الشهر الذي ورد في الخبر أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أخرج فيه احدى عشرة سرية لنصرة الاسلام، وإعلاء رايته؛ فكانت ثـمارها ارتفاع راية التوحيد خفاقةً فوق هامات الرؤوس، معانقةً لشوامخ الجبال، مناطحةً لقطع السحاب.
– وكان شهراً للقدر يوم أن شرفه الله سبحانه بليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، بما فيها من الخير العميم والفضل العظيم الذي يتسابق اليه أهل الإيمان بتحريها، والوقوف فيها بين يدي الله خاشعين متذللين باكين تائبين يرجون رحمته ويسألونه عفوه وغفرانه.
– وكان شهراً للفتح يوم أن أعز الله جند الإيمان بالفتح المبين في مكة المكرمة، فتحطمت بذلك رموز الشرك، واختفت معالم الوثنية، وفاز حزب الرحمن في سلسلةٍ من المعارك الخالدة التي فتح بها سلفنا الصالح الأرض من مشرقها إلى مغربها، وحازوا المجد من أطرافه، وأقاموا دولةً ما عرف التاريخ أنبل منها، ولا أفضل، ولا أكرم، ولا أعدل.
– وكان شهرا للبر والصلة والصدقة حينما يتفقد الأغنياء إخوانهم الفقراء فيسارعون إلى تفريج كربهم، ويحرصون على تفريج عسرهم وتقريب يسرهم، ومديد العون والمساعدة لهم بالبذل والزيارة والأُنس والدعاء والصلة، فتتجلى بذلك أعظم صور الحب والتآخي بين أفراد المجتمع المسلم.
فيا أيها الصائمون: هذا هو شهر رمضان عند السلف الصالح، وهذا حالهم معه. فهل لنا أن نستلهم العبر، وأن نتعلم الدروس من سيرة سلفنا الصالح الذين عرفوا شهر رمضان حق المعرفة، فكانوا يسألون الله قبل رمضان أن يُبلغَهم إياه، فإذا ما انتهى بكوا خوفاً الاّ يُتقبل منهم صيامه.
وختاماً .. نسأل الله تعالىأن يرحم ضعفنا، وأن يفُك أسرنا، وأن يُبلغنا مما يرضيه آمالنا، وأن يجعل هذا الشهر شاهداً لنا لا علينا، إنه على كل شيءٍ قديرٍ وبالإجابة جدير.
التعليقات