رأيت من بعض الفضلاء تعجباً لما يبديه طلبة العلم من حماس حول بيان حكم الغناء والموسيقى، والحرص على بيان تحريمها بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة والأئمة من السلف والخلف وبيان من حكى الإجماع على ذلك من أهل العلم، والإبانة عن كذب من زعم الخلاف في حكم الغناء المعلوم اليوم من أئمة السلف، حتى قال أحدهم : لو بذلتم جهدكم ذلك في بيان محكمات أخرى هي معقد إجماع ولن يخالفكم أحد فيها ولها دور كبير في إصلاح الناس !
وأنا هنا أبين سبب ذلك فأقول : من المؤسف أن يكون شذاذ الليبراليين والمنافقين والمفسدين أعمق فهماً للظواهر الاجتماعية من هؤلاء الفضلاء، فلو أنك عكست تعجبك أخي لتبين لك الجواب بكل جلاء وعكس ذلك أن تقول : لماذا هذا الحماس من المنافقين الليبراليين وأذنابهم من عباد الشهوات لنشر الأغاني والموسيقى وتكريسهم جهدهم في هذا الصدد وتسخيرهم لذلك القنوات والصحف والمواقع والأنشطة واستغلال التجمعات والمناسبات والأقلام المأجورة واللحى المستأجرة لتحقيق برامجهم الغنائية وتسويغها وتطبيع المجتمع عليها ..
مالذي جعلهم يفعلون ذلك ولم يسلكوا سبيلاً آخر ربما جلب لهم كثيراً ((( من ))) التعاطف والثقة من الناس بدلاً عن هذا الأمر الذي أثار عليهم كثيراً من العلماء والدعاة وطلبة العلم والغيورين من جميع شرائح المجتمع !؟ هل سلألت !!!! نفسك هذا السؤال !؟ .. لو فعلت لوجدت الإجابة الشافية الكافية عن تعجبك الأول إنهم يعلمون أنه بالغناء والموسيقى يتحقق لهم أكثر الأهداف تعقيداً وصعوبة في مشروعهم التغريبي الإفسادي فهو ..
أولاً : ضرب لثابت انعقد عليه الإجماع وتظافرت أدلته من النصوص والآثار والمقاصد الشرعية العظيمة، فعندما ينجح مشروعهم في زحزحة كل ذلك وتشكيك الناس في كل مل قيل حوله من الإحكام الشرعي والفقهي، فإن نقض ما هو دون ذلك أهون وإيسر بعد ذلك .. بل يريدون من ذلك ضرب أصول الاستدلال التي أحكمتها المدرسة الفقهية الإسلامية طوال عمرها التأصيلي، فهم يريدون نسف الإجماع كدليل قاطع للنزاع ..
وإن وجد الإجماع شككوك في ثبوته، وإن ثبت شككوا في قطعيته، وإن اكتسب القطعية شككوا في لزومه، إلى آخر سلاسل الهدم الليبرالي لمحكمات الشريعة كما يقصدون بذلك إلى نزع قيمة فقه الصحابة وحجية أقوالهم التي لم يختلف الأئمة الأربعة على حجيتها إذا لم يكن في الباب أقوى منها، عفواً عن تضعيف استنباطات السلف وفقههم للمسائل،
وكل ذلك يسهل عليهم زعزعت ؟!؟!؟ زعزعة ،،،، كل ما هو ثابت في فقه الشريعة ومحكماتها، وقد وصل بأحدهم أن قال ( لا يوجد دليل على تحريم الخمر) وقال آخر ( الجسم يحتاج إلى الماء ولا ينبغي حرمان الجسم من الماء طوال نهار رمضان ) وقال آخر ( لحم الخنزير مفيد جداً، وقول !!!!؟؟؟ أفضل من لحم الإبل ) وقال آخر ( الولاء والبراء من اختراع ابن تيمية ) ..
وقال آخر ( تبديع التوسل بالأموات من بدع الوهابية ) إلى غير ذلك من أبجديات المشروع الليبرالي الذي لا يريد أن يبقي على شيء من الدين أو يذر، لكنه يعرف من أين تؤكل الكتف، فقد جعل مشروعه يتركز في قضايات محددة مثل نشر الأغاني والموسيقى حتى إذا أتى الدور على الأصول التي هي أشد إحكاماً كان الطريق لاحباً ؟!؟!،! ( مافهمتُ لاحباً )،،،،والجادة مسلوكة
ثانياً : هو يعلم أن جهاده في سبيل نشر ثقافة الغناء سيجلب معها الرقص والمجون والاختلاط والفجور والبذخ وغيرها من المفاسد التي هي من لبنات المشروع التغريبي، ولا يوجد أفضل من جو الأغاني لنشر وتمدد مثل تلك الرذائل
ثالثاً : هم يعلمون ما للغناء من أثر في قسوة القلب وكره سماع الحق والبعد عن حب القرآن والاهتداء بهديه، وكفاك بذلك كسباً لهذا المشروع الخبيث، فأي خير للمسلمين إذا حادوا عن طريق القرآن وتشبعت قلوبهم بحب الأغاني والمجون ، وأي تأثير لمواعظ القرآن ورقائق السنة إذا أصبح الناس وأمسوا في مستنقعات الحفلات الغنائية والرقصات الفاضحة ..
لقد عرف الليبراليون هذه الحقيقة من أنفسهم، ومن حال المنتكسين الذين كان لهم قرب من القرآن والذكر حتى دخلوا في عالم الغناء والفن فكان آخر العهد بقلبه القرآني، بل صار يضيق ذرعاً بمن يعظه أو يذكره ولو ببعض آية، فهم يريدون تعميم مثل هذه الحالة على المجتمع أو على غالبه حتى يبقى القرآن في المسجد وبينه وبين الناس مهامه فيح من القسوة والران الذي ضُرب على قلوبهم بسبب ما أسرفوه من ذلك السماع المحرم.
رابعاً : قد علم دهاقنة المشروع الليبرالي أن تمدد الأرضية الغنائية في المجتمع سيكون على حساب حلقات القرآن ومجالس الذكر وقبول العلماء والمصلحين، وسيصاحبه ترميزاً لمرذولين من المغنين والفنانين والراقصين وكل من يمتهن حرفة تروج في تلك المجالات، وهذه ستكون نكسة كبيرة في أخلاق الناس وتدينهم ورجولتهم وسلوكهم، فكم سيكون الفرق كبيراً بين مجتمع قدوته العلماء والمصلحون والدعاة والغيورون، ومجتمع قدوته الراقصون والراقصات والمغنون والمغنيات !؟
خامساً : لا يخفى على لبيب حرص بعض الليبراليين على شرعنة مشروعهم التغريبي وأوله شرعنة اللهو والغناء والموسيقى ونحوها، ويكون ذلك بطرح الشبهات العلمية عن طريق اللحى الساذجة أو اللحى المستأجرة لهذا الهدف، وربما كان عن طريق بعض الرموز الليبرالية العتيقة في مستنقع العلمنة، فتعجب من ليبرالي زنديق يسخر ((( من ))) بالكتاب والسنة ..
ثم يناقشك في عنعة البخاري عن هشام ابن عمار، وعن نكارة رواية البخاري لحديث فلان، وتدليس فلان، وكلام الدارقطني عن فلان وووووو من الأبحاث الحديثية أو الأصولية أو الفقهية، فأي استخفاف بالله ودينه وشرعه هذا الذي يمرسه !!!؟؟؟ ( يمارسه ))))هؤلاء الأراذل، وهل ينطلي فعلهم ذلك على لبيب !؟
وإن وجد من بعض الناس الذين لا نشكك في دينهم بعض ذلك فهم مجرد ببغاوات يرددون ما سمعوه من غيرهم، وإلا فهل يعقل أن يخرج من لا ناقة لهم في العلم ولا جمل ليصحح الروايات ويعدل ويجرح الرواة وليحق مناطات النصوص ويناقش معاقد الإجماعات وليحرر حجية قول الصحابي ووووو إلى غير ذلك من الامتهان العلمي !؟
لقد بقي الشيخ الألباني والشيخ ابن باز قرابة ستين سنة ولا شغل لهم غير العلم تحصيلاً وتحريراً وبذلاً ودعوة ونشراً وتأليفاً، ثم هم يسلمون لأئمة السلف بأنهم أعلى منهم كعباً في كل باب من أبواب العلم تحصيلاً وفهماً وعملاً، ثم تجد من يقضي جل ليله ونهاره في مباحات لاهية أو مكروهات ماقتة أو محرمات ماحقة، ثم إذا هو في عشية وضحاها إمام الرواية والدراية !؟
وأخيراً أقول : لو أراد مشروع التغريب الليبرالي أن يجمع الناس على شرب الخمر ما استطاع، ولو أراد جمعهم على الزنا ما استطاع، ولو أراد جمعهم على ترك الفرائض ما استطاع، ولو أراد جمعهم على بعض الأمور المرذولة ما استطاع لكنه بجمعهم على الغناء والموسيقى والرقص سيحقق كل ما أراد وزيادة وقد تميز المشروع التغريبي الليبرالي في العالم العربي أنه طموح للغاية، فانظره في تونس لم يقنع بما دون رفض أركان الإسلام ودعوة الناس إلى ترك صيام رمضان، فهل بعد ذلك من مطمع !؟
أخي الداعية لا تكن مطية في سبيل هذا المشروع وإياك أن تكون كحامل صحيفة المتلمس، فقد استغل هذا المشروع جميع الإمكانيات المجتمعية الممكنة، ومن ذلك بعض الدعاة وطلبة العلم بشعور منهم أو بغير شعور ولا يفوتني في الختام أن أعود على القول الذي صدرته في أول المقال ( حتى قال أحدهم : لو بذلتم جهدكم ذلك في بيان محكمات أخرى هي معقد إجماع ولن يخالفكم أحد فيها ولها دور كبير في إصلاح الناس !) ولا أجد له جواباً خيرا من هذه المقولة : يكفي أن تكون أحمقاً لتخدم خصمك .
التعليقات