الحمد لله الذي جعل زيارة الـمريض الـمُسلم عملاً صالـحاً مُتقبلاً، والصلاة والسلام على من أخبر أن زائر الـمريض في خَرفة الجنة حتى يرجع من زيارته، وعلى آله الأخيار وصحابته الأطهار. أما بعد؛ فكُلنا نعلم أن زيارة الـمريض إحدى حقوق الـمسلم على إخوانه الـمسلمين انطلاقًا من الحديث النبوي الشريف الذي صحَّ عن أبي هريرة (رضي الله عنه)،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “حق المسلم على الـمسلم ستٌ “. قيل: ما هُنَّ يا رسول الله؟ قال: “إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمِد الله فشمِّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتبعه” (رواه مسلم، الحديث رقم 5651، ص962).
وهي إلى جانب ذلك بابٌ من أبواب كسب الأجر والثواب العظيم، الذي جاء في بيانه ما صحَّ عن أبي هريرة (رضياللهعنه)، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من عاد مريضاً، أو زار أخاً له في الله، ناداه منادٍ: أن طبتَ وطابَ مـمشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً ” (رواه الترمذي، الحديث رقم 2008، ص454). وليس هذا فحسب، فزيارة الـمريض سُنةً نبويةً تؤلفُ القلوب، وتُخفف الآلام والأوجاع عن الـمريض، وتُسهم في تآلف الأنفس، وتعمل على مد جسور الـمحبة، ونشر كثيرٍ من معاني التعاطف والـمواساة، وتقوية الروابط بين الأهل والإخوان والأقارب والجيران والأصدقاء، وغيرهم من أبناء الـمجتمع.
وعلى الرغم من ذلك كله ؛ فإن هذه الزيارة بمعانيها الكريمة السامية قد تعرضت في وقتنا الحاضر وزمننا (العجيب) إلى ما يشينها ويُشوه جـمالها في كثيرٍ من الأماكن؛ إذ إن مـما يؤسف له أن نراها وقد تحولت إلى (ظاهرةٍ سلبيةٍ مؤسفةٍ)، تبرز ملامـحُها السلبية في بعض الـمستشفيات الحكومية والأهلية منذ فترةٍ ليست بالقصيرة، ومن فئةٍ من أبناء الـمجتمع الذين أخذوا يقومون بها مصحوبةً ببعض التصرفات الخاطئة التي يُمارسونها بكل عفويةٍ وسذاجة؛ بل إنهم ربما لا يجدون فيها شيئًا من الحرج أو الـمُخالفة لـما ينبغي أن يكون عليه الحال.
وتتمثل تلك الظاهرة السلبية في بعض الـمناظر الـمؤسفة والتصرفات غير المسؤولة التي تشتكي منها كثيرٌ من الـمستشفيات حينما يقوم بعض (الزوار) فيها بتبادل أدوار (البطولة الـمؤسفة) وهم يُمارسون العديد من السلوكيات الخاطئة متذرعين بأنهم يقومون بزيارة أقاربهم ومعارفهم وأصدقائهم الـمرضى في تلك الـمستشفيات، وعلى هذا الأساس فليس غريباً أبدًا أن نرى البعض منهم يتجمهرون أمام بوابات الـمستشفيات ومـمراتها بشكلٍ فوضويٍ لا فتٍ للنظر دونما سببٍ يدعو إلى ذلك، وبخاصةٍ عندما يحاول البعض منهم (تسريب) بعض الـمأكولات أوالـمشروبات ونحوها للمرضى مع علمهم الـمُسبق بـمخالفة ذلك للأنظمة والتعليمات ..
وقد نرى أن من الزائرين من يفترشون الحدائق والـمُسطحات الخضراء ومواقف السيارات بشكلٍ فوضويٍ وفي مـجاميع كبيرةٍ أو صغيرة يودعون فيها ويستقبلون، وليس بـمُستغربٍ أبدًا أن نجد من هؤلاء من يتجمعون أمام الـمداخل والـممرات لتناول أصناف الطعام والشراب في ردهات الـمستشفى بشكلٍ عشوائيٍ وغير مقبول، بل إن العجب يزداد حينما نجد البعض وقد اصطحب أعدادًا من أفراد أهله والأبناء، ولاسيما الصغار منهم في زيارته للمرضى، وكأنه خارجٌ بهم في نزهةٍ أو رحلةٍ خلويةٍ.
ولعل مما لا يقبله العقل الواعي أن نرى بعض من يعودون الـمريض وهم يتبادلون شرب فناجيل القهوة في غرفة الـمريض، ورُبما قام أحد اقاربه بتمرير حبات التمر وعُلب الحلوى عليهم، وكأنهم في استراحةٍ أو مناسبة زواج؛ بل إن هناك من يكون هـمه في غُرفة الـمريض توجيه الدعوات للزائرين وتبادل الأيـمان الـمُغلظة من أجل الغداء أو العشاء.
وليس هذا فحسب؛ فهُناك الكثير من الـمناظر الـمؤسفة والـمحزنة وغير الحضارية، التي أجزم ومعي كل عاقلٍ ورشيدٍ أنها أصبحت ظاهرةً سلبيةً ولا فتةً للنظر، بل إنها أصبحت تستلزم التدخل ( الرسـمي ) لـمنعها، والعمل الجاد على الحد منها والقضاء عليها، ووضع الضوابط الـمناسبة لتنظيمها وتقنينها، والحرص على نشر الوعي الصحيح في هذا الشأن بين أبناء الـمجتمع وفئاته، فكلنا نعلم أن زيارة الـمرضى تكون في حقيقتها لغرض السلام عليهم، والاطمئنان على صحتهم، والدعاء لهم بالشفاء والعافية، كما أن من الواجب أن يُدرك كل إنسانٍ أن زيارة أو عيادة المريض ينبغي أن تكون مـختصرةً وقصيرة، وفي هذا الـمعنى يقول الشاعر:
أدب العيادة أن تزورَ مُسلِّمًا … وتكون في أثر السلامِ مودِعًا
فيا أيها الإخوة الكرام، ويا أصحاب العقول والأفهام، إلى متى تستمر هذه المناظر المؤسفة في مـجتمعنا؟ وإلى متى تُشوه مثل هذه التصرفات الرعناء واقعنا الاجتماعي الـمُثقل بالكثير من الصور الـمؤسفة في شتى الـمجالات؟ وإلى متى ونحن نشتكي من مثل هذه الصور والسلوكيات الـمخالفة للعقل الرشيد والـمنطق السديد؟ إنها دعوةٌ لكل فردٍ في الـمجتمع للإقلاع عن مُـمارسة مثل هذا السلوك، والعمل على الإسهام الفاعل في التوعية بخطئه ومـجانبته للصواب.
وختامًا / أسأل الله تعالى أن يُصلح أحوالنا، وأن يشفي مرضانا، وأن يُعافي مُبتلانا، وأن يرحم موتانا، وأن يُلهمنا صالح القول وجـميل العمل، والحمد لله رب العالمين.
التعليقات