الإثنين ١٢ مايو ٢٠٢٥ الموافق ١٥ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

مستشفى جيزان العام وضرورة التشخيص السليم – بقلم أ.د . محمد بن يحي الشهري

مستشفى جيزان العام وضرورة التشخيص السليم – بقلم أ.د . محمد بن يحي الشهري



المأساه التي حصلت في مستشفى جيزان العام اصابت كلا منا بالكثير من مشاعر الحزن والأسى, فعدد الموتى والمصابين نتيجة لهذا الحريق محبط ومحزن. والقصص التي تروى اصابتنا بالاحباط والذهول من هذه المأساه.


وينبغي لمثل هذا الحدث الا يمر مرور الكرام فعمق الحزن الذي عم احبابنا في جيزان بل وعمنا جميعا في ارجاء الوطن يجب ان يكون حافزا لنا جميعا للتوقف والتفكير في هذا الحادث الجلل.


وينبغي هنا ان نعمل العقل والتفكير المتزن فأجيج العاطفة وفورة المشاعر يجب الا تعمينا عن الدراسة الواعية والتأمل المتعقل. فنحن نميل في كل حادث جلل الى البحث عمن نلومه ونلقي بالمسئولية عليه وتتحول الساحات الاعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي الى ساحات لنقد الاشخاص واتهامهم وطلب عقابهم واقالتهم وانا لا اقصد الا يعاقب المقصر ولا الا يقتص ممن اساء فهذه مطالب مشروعة ولكن يجب ان تكون مبنية على حقائق وادلة محلها القضاء والجهات المسئولة.


لكن مايهمني هنا اننا نهمل الجانب الاهم للموضوع فخبرات الماضي اظهرت بوضوح ان تغيير المدير او الرئيس او الوزير لم يغير في واقع الامور شيئا واننا ربما ننظر من الزاوية الخاطئة.


نحن نركز على الاشخاص وننسى الاهم وهو الانظمة واللوائح الناتجة عنها والقوانين والتشريعات التي تحكم بيئة العمل، وقد تعلم الغربيون هذا جيدا فتجدهم عند كل حادثة يبحثون في ” جذور” المشكلة والى مايمكن تغييره من التشريعات والقوانين والانظمة وطرق العمل وليتنا ندرس بعضا من هذه الاحداث التي حصلت في امريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها ونتأمل كيف تم التعامل معها وكيف ركزوا بعمق على اسس المواضيع وعالجوا الخلل في الانظمة والتشريعات.


وبدون ان نغير في طريقة تفكيرنا فستبقى حلولنا سطحية ومجرد فقاعات عاطفية ويكفينا ان يعاقب المدير او يقال بدون ان يكون هناك في الواقع اي تغيير حقيقي ونبقى كذلك حتى تاتينا حادثة اخرى ثم اخرى وهكذا.


– ولننظر لحادثة مستشفى جيزان كمثال ونفكر في جملة من الامور تستحق التفكير :


1/ هل نمط العمل وانظمته تشجع كل منا – كسعوديين – على العمل بافضل قدراتنا؟!! فالموظف الذي تولى تخطيط المستشفى والاشراف على بنائه واستلامه وتاثيثه وصيانته وتشغيله غالبا سعودي ومن يعمل في المستشفى وفي البلدية وفي الدفاع المدني وفي المجلس البلدي وفي مجلس المنطقة وفي الوزارات المختلفة هم في غالبهم سعوديين، فهل انظمة العمل لدينا والتشريعات مناسبة لايجاد البيئة المناسبة ليكون مستوى اداءنا وعملنا على القدر الكافي من الجودة؟!!! وهنا يجب ان نبتعد عن النظر للاشخاص ولكن للانظمة والتشريعات فالافراد هم انا وانت وتغيير الانظمة والتشريعات يغير بدون ادنى شك مستوى اداء الافراد وعطاءهم.


2/ هل طريقة اختيار وتأهيل القادة والمديرين مناسبة وفعالة؟ كيف يتم تأهيل المدير والرئيس والقائد في كل قطاع سواء في المستشفيات او الدفاع المدني او الامارة او البلدية او الوزارة او غيرها؟ هل لدينا تصور واضح؟ هل لدينا خطط منظمة لذلك؟ هل لدينا طرق مناسبة لاعداد الصف الثاني والثالث؟ ثم بعد ذلك كيف يتم اختيار هؤلاء المديرين والقادة؟ هل هناك طرق مناسبة لاختيار الافضل والاجدر؟ ام ان الاختيار مبني على النظرات السطحية والمعرفة والعلاقات؟ ثم هل لدينا الحوافز الكافية التي تضمن لنا القدرة على اختيار الافضل والاحتفاظ به؟


3/ هل الانظمة والتشريعات كافية لتمكين القائد الميداني من عمل افضل مالديه ام ان الانظمة مكبلة له ولايستطيع ان يتحرك بما يكفي للتأثير في مجريات الامور. فمن المعروف ان المدير الحقيقي هو من يملك قرارين مهمين: اولها قرار الصرف من الموارد المالية بما يحقق الاهداف وثانيها قرار التوظيف والاقالة، ولو طبقنا هذين الجانبين لوجدنا ان معظم مديرينا هم مجرد سكرتارية رفيعة المستوى لاغير.


4/ هل برامج الاعتراف المحلي والخارجي للجودة للمسشفيات والادارات والجامعات ادت دورها ام انها مجرد خطط رفوف لاتسمن ولاتغني من جوع. هل استفدنا من المواردالمالية الكبيرة التي بذلناها في هذه البرامج والخطط ام انها مجرد فقاعات اعلامية فارغة من المضمون؟ هل انحرفت هذه الجهود والخطط عن جوهرهاواجهضنا الفائدة الحقيقية التي كان يمكن ان تتحقق واكتفينا بالقشور والوهج الاحتفالي والاعلامي؟ هل تحولت بعض الجهات الخارجية المعنية بالاعتراف والتاهيل الى تجار ومسوقين باعونا السراب نتيجة جهلنا وربما سذاجة بعضنا ؟!


هذه بعض الخواطر التي تستحق ان نتامل فيها ونحن نرى مثل هذا الحادث المؤسف في مستشفى جيزان العام والله نسأل ان يحفظ لنا وطننا وامننا وان يوفقنا لما يحبه ويرضاه.


أ.د.محمد بن يحي الشهري

 

أستاذ الجراحة العامة بجامعة الملك سعود

وكيل جامعة الملك سعود للتخصصات الصحية سابقا

رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للتعليم الطبي

 

 

مقالك248

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *