المفتش “مطر” من عادته أنه قليل الزيارات، لكن في الآونة الأخيرة بدأ من غير ميعاد يزور مدينة جدة تحديدًا. زار “مطر” مدينة جدة ثلاث مرات، أولها قبل سبع سنوات، تلاها بزيارة أخرى العام الذي يليه ليتفقد وضع “جدة غير”. العجيب إن التسمية قديمًا كانت “جدة أم الرخا والشدة” وكانت الأمور على ما يرام ..
وهذا ما جعل مطر يترك التفتيش في السابق. في زيارة “مطر” التفتيشية الأولى كشف عن مشكلات استمرت عقود من الزمن، وظهر له مالم يكن في الحسبان ما جعله على قناعة أن سبب التسمية بـ” جدة غير” لم يكن من فراغ . المفتش “مطر” لا تهمه الألقاب والمسميات، إنما الذي يعنيه هو الجوهر والمضمون ..
وهذا ما جعله يكرر الزيارة مرتين في عامين متتاليين لما وجده في زيارته الأولى من خلل فادح له أطراف عديدة ما بين مستثمر ومستهلك. المفتش “مطر” لا يريد أن يفتش على كل شيء، فمهمته محدودة ومقصورة على الطريق التي يسلكها في مروره من الشرق للغرب ومن الجبل للسهل ثم البحر. يشتكي “مطر” من البائع والمشتري ..
ومن الأمانة التي أتاحت للطرفين العبث بطريق المفتش حتى سدت عليه الطرق والمنافذ، فلم يكن له بد من البحث عن منافذ للعبور إلى حيث أراد الله له أن يكون. لم يسكت “مطر” في زيارته الأولى بل أصابهم بعقوبة جماعية لكل من وقف أمامه، فأخذ في طريقه الحجر والشجر والبشر حتى المركبات لم تسلم، وحذرهم بأنه سوف يأتيهم في كل زيارة على غير موعد..
إن لم يأخذوا حذرهم ويتركوا له الطريق مفتوحه للعبور. لا يُلدغ المؤمن من جُحرٍ مرتين، فعندما أتى في زيارته الثانية وجدهم في غفلة وكأن شيئًا لم يكن فبادرهم بالعقوبة للمرة الثانية، وأتاح لهم الفرصة بعد ذلك خمسة أعوام ليتدبروا أمرهم ويفتحوا الطريق للعبور …
لكنه عندما قدم عليهم لم يرى جديدًا- فالطريق لا زالت مغلقة “ممنوع المرور” وكأن القوم ألفوا الزيارة ولم يعد يعنيهم زيارته لهم، وما يزال التحدي قائمًا بين الطرفين حتى هذه اللحظة، فـ” مطر” يقول انتظروا زيارتي لكم في المرة القادمة، والأمين يقول نحن مستعدون للمواجهة، ونحن نقول اللهم حوالينا ولا علينا.
التعليقات