الخميس ١ مايو ٢٠٢٥ الموافق ٤ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

د. غيثان جريس .. يوثق بحثه ( العرب و البحر ) في كتب اللغة والجغرافيا والتاريخ

د. غيثان جريس .. يوثق بحثه ( العرب و البحر ) في كتب اللغة والجغرافيا والتاريخ

صحيفة النماص اليوم – محمد بن جابر الشهري :

.

أصدر الباحث المعروف أ. د. غيثان بن علي بن جريس الشهري أستاذ التاريخ ـ جامعة الملك خالد – دراسة تاريخية في ( العرب و البحر في كتب اللغة والجغرافيا والتاريخ )  وكانت خلاصة البحث ( منذ فجر التاريخ والبحر موضع  اهتمام لعوامل عديدة منها  العوامل الطبيعية فضلاً عن العامل الاقتصادي بوجه عام والتجاري بوجه خاص ، ومن الشعوب التي اهتمت  بالبحر منذ القدم شعوب اليونان والرومان ، وغيرهم كالعرب, وبخاصة عرب الجنوب الذين اشتهروا بفنون الملاحة ، وبرعوا في معرفة نظام الرياح الموسمية التي تدفع السفن شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ، وكانت لعرب الجنوب رحلتان على الأقل في العام ؛ وفيها تدفعهم الرياح الموسمية الجنوبية الغربية من خليج عمان وسواحل الجزيرة الجنوبية نحو الساحل الإفريقي ، ورحلة الربيع عندما تدفعهم الرياح الموسمية نحو الشمال الشرقي إلى سواحل الجزيرة وسواحل الهند حتى بلاد الشرق الأقصى . وهكذا برز العرب في فنون الملاحة وما يرتبط بها من معارف مثل معرفة الطرق البحرية الآمنة ،ونظام سير الريح ومواقيتها ، ومواقع البلاد والجزر ، واستخدام الآلات التي تساعدهم في ركوب البحر مثل البوصلة والإبرة المغناطيسية   والأسطرلاب ، فضلاً عن رسم الخرائط . ولما كانت بلادهم قليلة الأخشاب اللازمة لصناعة السفن فقد جلبوها من ساحل ملبار بالهند ، ومن سواحل إفريقية الشرقية ، بل حصلوا على الخشب من بعض بلاد البحر المتوسط وجزره ، مثل إقريطش ، ومرة أخرى نؤكد أن العرب الذين تعلموا ركوب البحر ومعرفة أسراره هم عرب الجنوب الذين اشتهروا كذلك بصناعة السفن . وقد عرف عرب عمان بمهارتهم في صناعة السفن وتفوقهم في أعمال الملاحة . 

ولا أدل على اهتمام العرب بوجه خاص ، والمسلمين بوجه عام بالبحر من عناية كتب التراث الإسلامي بهذا الجانب الحضاري عناية فائقة ، فتناولت البحر بالدراسة والفحص ، كما اهتمت بمختلف أوجه النشاط فيه ، وجاءت الدراسات والإشارات التي تناولت البحر في كتب الحضارة الإسلامية شعراً كان أم نثراً في غاية الدقة والبراعة ، وفي ضوء هذه الحقيقة جاء اهتمامنا بدراسة هذا الموضوع : العرب والبحر في كتب اللغة ، والجغرافيا ، والتاريخ . ورأينا أنه لابد من الإسهام لتسليط الضوء على الدور الكبير الذي قدمته بعض كتب التراث الإسلامي عن البحر وأهميته عند العرب والمسلمين . ومن المعروف أن مصادر الحضارة الإسلامية متنوعة الموضوعات والفروع ، لذلك اقتصرنا في دراستنا هذه على ذكر البحر والاهتمام به في كتب اللغة والجغرافيا والتاريخ . ونخص بالعناية كتب التاريخ والجغرافيا لعدة اعتبارات منها : –  الحرص على مسايرة الاتجاه العام لهذه الندوة التي ينظمها اتحاد المؤرخين ، مما يتطلب أن يكون للتاريخ والجغرافيا النصيب الأكبر . –  أن كتب الجغرافيا والرحالة والتاريخ زاخرة بمعلومات قيمة وهامة عن البحار وعلومها ، وما يدور في عالمها وفلكها .

لذلك جاء الاهتمام بإلقاء الضوء على أكبر قدر ممكن على تلك المعارف عند الجغرافيين والرحالة والمؤرخين الأوائل ، هذا مع اعترافنا بأن ما جاء في كتب اللغة والأدب يعتبر تهميداً لهذه الدراسة ، وبعد استعراض العرب والبحر في المصادر اللغوية والجغرافية والتاريخية , وفي حوالي ( 30 ) صفحة خلصنا إلى القول بأن :

إن البحر والعرب حظوا باهتمام كبير في مصادر الحضارة الإسلامية فأصحاب المؤلفات اللغوية وخاصة مؤلفو المعاجم العربية ،الذين أوردوا كلمة ( بحر) ثم بينوا معناها مع التقصي لجذورها التاريخية ، ومرادفاتها اللغوية، وكذلك أضفي أرباب الأدب والشعر علي البحر (أو ما يستخدم فيه من سفن ،أو يدور في عالمه) أحاسيسهم وتصوراتهم ،فذكروه في مقالاتهم وأشعارهم في صور شعرية رائعة تحمل تشبيهات ومعاني قيمة تدل علي أهميته في حياة الإنسان . أما كتب الجغرافية والرحلات فقد تناولت ذكر البحر بشكل ممتاز ،فتعرضت لذكر العرب و البحار وتوزيعها علي الكرة الأرضية ، وأشار بعضها إلى أهمية الرياح في هدوء البحر وهيجانه ،وإلى حدوث عملية المد والجزر وتسمياته بأسماء مختلفة، كما نوه بعض الجغرافيين والرحالة العرب الأوائل إلى بعض الاختلافات الطبيعية والمناخية بين البحار والمحيطات بعضها مع بعض، مع العلم أن كتب الجغرافية والرحلات تعتبر أفضل كتب التراث الإسلامي من حيث مناقشتها لطبيعة البحار والمحيطات والأنهار،وغير ذلك فيما يتعلق بجغرافية البحار وعلومها، كما أشاروا إلى دور العرب في استخدام البحر في مجالات عديدة.

والمؤرخون العرب الأوائل لم يكونوا أقل شأنا من الجغرافيين والرحالة أو من أصحاب اللغة وإنما أشادوا بالبحر وأهميته الحضارية عند العرب والمسلمين وفي المجالات العسكرية والاقتصادية، وفي صناعة السفن والأدوات الحربية بما فيها النار الإغريقية ، وفي بناء الأساطيل الإسلامية مع توفير الأيدي العاملة والخبراء إلى جانب المواد الخام اللازمة لبناء وتطوير صناعة القطع البحرية المختلفة. والحق أن كل واحد من علماء العرب والمسلمين  الأوائل (سواء كان لغوي أو جغرافي أو رحالة أو مؤرخ) يمثل بفكره وثقافته وبلاغته ونصاعة بيانه ووفرة عطائه في المعرفة بالبحر وما يحيط به ، صفحة مشرقة من صفحات الفكر الإسلامي . لذلك فنحن نعتبر أن كتب التراث التي تناولت موضوع البحر ، وما حفل به من نشاط، واحدة من ألمع ثمرات الفكر الإسلامي وأكثرها نضوجا، ومؤلفوها من أكثر العقليات الإسلامية خصوبة وعطاء بالنفيس من القول والسديد من الفكر , والراجح من الرأي ، والوفير من الإنتاج ، والسخي من العطاء.كما أننا نجد أن كل واحد من هؤلاء الذين اثروا بإنتاجهم كان متفنناً في جميع العلوم من اللغة والشعر والأدب والجغرافيا والتاريخ،وكل واحد من أولئك الأدباء والعلماء يستحق الإشادة بفضله الكثير ،وعلمه الوفير، وهمته العالية في ساحة المعرفة ، وبحره الدافق في ميادين العلوم المتعددة الألوان ولذلك فنحن لا نستطيع أن نغفل دورهم لأنهم من صفوة العقول الإسلامية المفكرة والمستنيرة،وتعتبر مؤلفاتهم إضافه أساسية للمعرفة والقيم الإنسانية.        

كما أن العرب هم القادة الأوائل في نشر الدين الإسلامي ، فساروا في البحر والبر من أجل إعلاء كلمة الله عز وجل ، وخالطهم عناصر غير عربية ، دخلت الإسلام ، فحملوا مع إخوانهم العرب ألوية الجهاد والمعرفة حتى أسسوا حضارة عربية إسلامية شملت أصقاع كثيرة من العالم . والناظر إلى أهمية البحر عند العرب وجدناهم استخدموه في حربهم وسلمهم ، فكان من الميادين الرئيسة في تجاراتهم وهجراتهم العامة والخاصة ، بل بعضهم عبروا البحار من أجل نشر الإسلام في أصقاع بعيدة من مهبط الرسالات والأديان السماوية . كما أن علمائهم وأرباب الثقافة فيهم دونوا آلاف الصفحات عن أهمية البحر في حياتهم وحياة دولهم وشعوبهم .والواضح على مر التاريخ أن البحار من الميادين الرئيسة التي سخرها الإنسان للاستفادة منها في جوانب سياسية وحضارية متعددة الجوانب والأهداف .

– البحث قدم في ندوة اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة خلال يومي الأربعاء والخميس (19/20 / صفر/1437هـ / الموافق 2-3 /ديسمبر /2015م ). وذلك في مقر المؤتمرات الخاص بالاتحاد في القاهرة الجديدة (التجمع الأول )

     جريس4  

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *