على وقع ترتيبات قمّة الرياض التي ستجمع رؤساء الدول العربيّة ورؤساء من دول أميركا الجنوبيّة ضمن ما بات يعرف بتجمّع ASPA قلت لإعلامي كبير أتمنى أن تتجاوز المعالجات الإعلاميّة العربيّة للقمّة عناوين الأحداث السياسيّة والمواقف المعلنة إلى تشخيص وإبراز البعد الثقافي والحضاري لشعوب هذه الدول والمشتركات العربيّة معها.
وهذه الأبعاد ستسهم في الفهم المشترك وتقوية وتعزيز العلاقات الحضاريّة التي ستقود السياسة إيجابيّاً خاصة مع وجود ما يزيد عن23 مليون عربي في أميركا الجنوبيّة يشكّل المسلمون منهم ما بين 4-6 ملايين، (الأرجنتين 700 ألف، والبرازيل مليون ونصف المليون على سبيل المثال).
والمعروف أن شعوب أميركا الجنوبيّة (اللاتينيّة) لديهم خصائص قريبة من الشخصيّة العربية وقد عانت شعوب أميركا الجنوبيّة من الاحتلال (مثل العرب) حتى استقلت مع بقاء جزر محتلة وأخرى شبه محتلة حتى يومنا هذا. ولا زالت دوائر المثقفين في دول أميركا الجنوبيّة تطالب بين آونة أخرى باسترداد الكنوز والتحف التراثيّة وغيرها من أيدي الإسبان “الغزاة” الذين “سرقوها” وأخذوها إلى بلادهم. ويتميّز أفراد شعوب أميركا اللاتينيّة –مثل العرب-بالصلات العائليّة القويّة ويقدرون دور الأصدقاء ويشاطرونهم همومهم وآراءهم دون تحفّظ وهم بذلك أكثر اجتماعيّة من “استقلاليّة” الفرد في أوروبا وجيرانهم في أميركا الشماليّة. ولعل دور الصلات الشخصيّة في حياة الأميركي الجنوبي هذا يفسّر المواقف الإيجابيّة لبعض هذه الدول مؤخراً مع قضايا العرب. ولا ننسى أن تأثير الدعايّة الإسرائيلية قديم في دول أميركا الجنوبيّة التي ساهمت في تقديم إسرائيل للمجتمع الدولي بتصويت 14 دولة أميركيّة لاتينيّة على تقسيم فلسطين سنة 1947. وقد ظلّت النخبة السياسيّة في هذه الدول داعمة لإسرائيل (ماعدا كوبا) حتى تغير الموقف بشيء من الإيجابيّة بعد حرب 1973م إذ باتت الأرجنتين، وتشيلي، وكوبا، والبيرو، والأكوادور، ونيكارغوا رافضة للاحتلال الإسرائيلي، وخفّ انحياز البرازيل، والمكسيك، وفنزويلا، وبارغواي، وأورغواي في حين واصلت دول مثل بوليفيا، وكوستاريكا، والدومينيكان، والسلفادور، وغويتمالا دعمها الأعمى لإسرائيل.
وتتشابه ثقافة قسم كبير من شعوب هذه الدول مع العرب في مسألة التعامل مع عنصر الوقت وحساب الزمن على أساس فكرة “تمتع بالوقت ولا تنشغل بإدارته”. ومن هنا فإن الأميركيين الشماليين يتساءلون في زحمة التخطيط والركض عن عجيب أحوال جيرانهم في الجنوب الذين يمارسون الحياة كما هي بعفويّة ولا يضيعون وقتاً كبيراً في التفكير في المستقبل.
ويرى بعض مثقفي أميركا الجنوبيّة أن الصور الذهنيّة السلبيّة التي راجت عنهم مرجعها إلى السينما الأميركيّة التي صورتهم كسالى ورجال عصابات ضمن النظرة الفوقيّة للرجل (الأبيض) المتفوّق.
ومع أن الاحتلال الإسباني والبرتغالي لشعوب أميركا اللاتينيّة فرض ثقافة المستعمر ولغته إلا أنه حمل معه أيضا ثقافة “الموريسكيين” من العرب والمسلمين الذين شاركوا أو تسلّلوا بين الحشود الإسبانيّة وظلوا يخفون دينهم. ومن بقايا هذه الثقافة يكفي أن تعرف أن عدد الكلمات ذات الأصل العربي في اللغة الإسبانيّة يصل إلى أكثر من 5 آلاف كلمة وحوالي 3 آلاف كلمة عربيّة في اللغة البرتغاليّة، وهاتان اللغتان هما الأوسع تداولاً في هذه الدول.
ومن هنا فان المشتركات العربيّة مع شعوب أميركا الجنوبيّة ومن هنا يحتاج العرب إلى تعامل إبداعي جديد”creative approach” مع هذه الدول وشعوبها فالمثل الأميركي الجنوبي يقول “من يعيش على الخيال يموت بخيبة الأمل”
التعليقات