صحيفة النماص اليوم :
أكد الداعية السعودي د.عبدالرحمن بن معاضة الشِّهري في خطبته التي القها بجامع الأمام محمد بن عبدالوهاب في قطر يوم الجمعة الموافق 24/4/1436هـ أن تحقيق العدل واجب عليّ ومطلب شرعي، وأن على ولاة أمور المسلمين وحكامهم إدراك ذلك الأمر..مبينا أن إقامة العدل ضمانة إلهية لاستتباب الأمن في الدول، والفوز بنصر الله وتمكينه سبحانه، قائلا : “إن الحفاظ على الدول لا يكون بالقتل والبطش والظلم والقهر، وإنما يكون بإقامة العدل بين الناس فقط”.
وأضاف، في خطبة الجمعة أمس بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، إن إقامة العدل في الناس تشجع على طلب العلم والإبداع، وأن النوابغ والمبدعين إذا وجدوا عدلا وبيئة صالحة ظهرت مواهبهم وانتفعت بهم دولهم ومجتمعاتهم، بينما يتسبب الظلم في هجرة العلماء وقتل الإبداع والطموح في النفوس.
قيمة عظيمة
وقال: العدل قيمة أخلاقية عظيمة، وقد حثت الشرائع السماوية على ضرورة إقامته بين الناس، وورد الحديث عنا في مواضع عديدة من كتاب الله تعالى وفي الأحاديث النبوية الشريفة، فقال الله تعالى : “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ ..”.
وقال د.الشهري: هذه الآية العظيمة يكررها الخطباء في كل جمعة كما كان الكثير من السلف والخلف يختتمون بها خطبهم لأنها من الوصايا الجامعة في كتاب الله عز وجل، فالله سبحانه يأمر بالعدل مع كل إنسان وفي كل حين، والأمر بتحقيق العدل ليس موجها للحكام دون المحكومين، ولا للكبير دون الصغير ولا للرجل دون المرأة بل هو أمر للجميع، فقد قال الله تعالى: “وإذا قلتم فاعدلوا”، وأمر سبحانه بالعدل في الأعمال وفي الموازين والمكاييل.
ولفت الخطيب إلى أن المولى تبارك وتعالى أمر الأنبياء بإقامة العدل، كما قال سبحانه وتعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: “وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ” وهو أمر عام، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يحابي أحدا وكان يقيم العدل في نفسه وأمته، مستدلا على ذلك بقصة المرأة المخزومية التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، واستكبر قومها أن يقام عليها الحد وهي من أشراف قريش لكنهم هابوا أن يكلموا النبي صلى الله عليه وسلم في أمرها لعلمهم بأنه لا يحابي أحدًا، فنظروا إلى أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكلمه في أمرها فما وجدوا غير أسامة بن زيد رضي الله عنه وهو حِب رسول الله..فلما جاء أسامة ليشفع للمرأة، غضب النبي صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه، وقال : “يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله ؟ والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، ثم قام صلى الله عليه وسلم في آخر ذلك اليوم خطيبا في الناس، وقال بعد حمد الله: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد”.
وأكد د.الشهري أن المحاباة والمجاملة قتلت المجتمعات الإسلامية اليوم، وغاب العدل عنها، مبينا أن العدل إذا نزع من المجتمعات ومن الأفراد انتشر الظلم في تلك المجتمعات وعم الفساد وسقطت الدول واضطربت الأحوال.
دول الكفر
ونبه إلى أنه من سنة المولى عز وجل أنه ينصر الدولة الكافرة إذا كانت عادلة ويخذل الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، قائلا إن العدل قيمة مطلقة ينبغي على المسلمين أن يقيموها في أنفسهم أولا، لأنهم أولى بها من غيرهم.
وشدد على أن على ولاة الأمور أن يقيموا العدل في أنفسهم وفيمن ولوا، مذكرًا بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه : “باعينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمعة والطاعة في المنشط والمكره، وعلى العدل في القول العمل لا نخاف في ذلك لومة لائم”.
وتابع: النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن المقسطين الذين يقيمون العدل في أنفسهم وفي رعاياهم يكونون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين..كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن الله سبحانه وتعالى يظل يوم القيامة سبعة أشخاص في ظله يوم لا ظل إلا ظله وأولهم “إمام عادل”.
وبين أنه قد ورد في بعض الآثار أن الإمام العادل هو “ظل الله في الأرض” لأنه يقيم شريعة الله في الناس فينتشر الرخاء ويعم الأمن وتقام الحدود فكان جزاؤه أن الله تبارك وتعالى يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله مع أن الإمام والأمير والحاكم لا سلطان لأحد عليهم وهم قادرون على أن يظلموا الناس ولكنهم كفوا عن ظلم الناس وأقاموا العدل فكان جزاؤهم أن يظلهم الله تحت ظله يوم القيامة.
وقال إن المسلمين منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم تعلموا هذه الأخلاق التي هي أخلاق الإسلام والقرآن، مشيرا إلى أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها سئلت عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن..وفي رواية : فقالت للسائل: هل تقرأ القرآن؟، فقال: نعم. قالت : كان خلقه القرآن.
وأضاف د.الشهري أن أم المؤمنين لم تجد جوابا أبلغ من هذا لترد به على السائل، فكأنها تقول لنا: أعرضوا أخلاقكم على القرآن وأنظروا مالذي يوافقه منها وما الذي يخالفه.
وعاد فضيلته ليؤكد مجددًا أن العدل هو من الأخلاق العظيمة التي ورد في شأنها آيات قرآنية كثيرة كما جاء الأنبياء صلوات الله عليهم بتأكيدها وترسيخها وبيانها وتطبيقها حتى تشرّبتها الأمم.
وزاد أن العدل قيمة عظيمة، ومن يظلمون الناس فقد خرجوا عن الطريق المستقيم وهم بعيدون عن اخلاق الأنبياء وليسوا منها في شيء.
وأشار إلى قول ربعي ابن عامر رضي الله عنه عندما جاء إلى كسرى ملك الفرس حيث سأله كسرى : ما الذي جاء بكم ؟ فقال له ربعي مقولة شديدة الحكمة والبلاغة : إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الحكام إلى عدل الإسلام.
وتطرق د.الشهري إلى قيمة العدل في التاريخ الإسلامي فقال إنها كانت سببًا رئيسيًا في دخول الكثيرين إلى دين الله تعالى، مستشهدًا بواقعة حدثت في عهد سيدنا علي رضي الله عنه عندما كان خليفة للمسلمين حيث فقد درعا من دروعه، ولما بحث عنها وجدها عند يهودي، فقال له علي رضي الله عنه : هذه درعي.
فرد اليهودي عليه وما هو دليلك على ذلك؟ فاشتكاه علي إلى القاضي فقال له القاضي وما هي البينة على أن هذه الدرع درعك؟.
قال سيدنا علي : شهادة الحسن بن علي.
قال القاضي : لا تجوز شهادة الابن لأبيه.
فقال سيدنا علي: لقد شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سيد شباب أهل الجنة.
قال القاضي : ولو. وقضى بالدرع لليهودي.
فقال اليهودي : الله أكبر..الخليفة ينزل معي إلى الحكم عند القاضي ولما لم يجد بينه قضى لي بالدرع ؟ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
فكانت هذه الواقعة التي تنم عن قيمة العدل في الإسلام سببًا في دخوله الدين الحنيف مثلما كان العدل سببا في دخول الكثيرين غيره عبر التاريخ في دين الله أفواجا.
فوائد عظيمة
وفي الخطبة الثانية واصل فضيلة د.الشهري إبحاره في الحديث عن قيمة العدل مؤكدًا أنه إذا أقام الإنسان العدل في نفسه وأقامه الحكام في بلدانهم فسوف يكون لذلك فوائد عظيمة أولها نيل محبة الله عز وجل وهي أعظم فائدة “وأقسطوا إن الله يحب المقسطين”.
ودعا المسلمين إلى الحرص على محبة الله بإقامة العدل في أنفسهم وفي أهليهم وفي كلامهم وفي أفعالهم مبشرًا من يفعلوا ذلك بأنهم سوف يجدون محبة الله في الدنيا والأخرة.
وأوضح أن من فوائد إقامة العدل أيضًا قيام الدول واستتباب الأمن وعموم الرخاء مخاطبًا ملوك وأمراء وحكام المسلمين قائلا : إذا أردتم أن تقوم دولكم فأقيموا العدل فيها وفي أنفسكم..مؤكدًا أن الحفاظ على الدول لا يكون بالقتل أو البطش والظلم والقهر وإنما الهيبة وإقامة الدولة بإقامة العدل مشيرًا إلى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان من أشد الخلفاء هيبة وأعظمهم مكانة وكان يسير في الطريق وحده وينام تحت الشجرة حتى جاء رسول كسرى ملك الفرس إليه في المدينة فسأل عنه فأشاروا إليه إلى أنه تحت الشجرة فتعجب رسول كسرى وقال : لقد عدلت فأمنت فنمت.
التعليقات