الجمعة ٢ مايو ٢٠٢٥ الموافق ٥ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

افتراضي في داخل دائرة الثقافة التنظيمية وفي خارجها – للكاتبة أ. هند الشريف

افتراضي في داخل دائرة الثقافة التنظيمية وفي خارجها  – للكاتبة أ. هند الشريف

 

 

البداية ..

بينما كنت أبحث و أكتب عن التكليف الذي كان علي اعداده الأسبوع الماضي لمادة الثقافة , كنت أقلب الصفحات , و أجوب في المنتديات , أقرأ عن هذا و عن ذاك , و عن الحوار و عن المعوقات , حتى وصلت إلى قصة حوار – من أولى و أرقى و أحلى حوارات الأديان التي سجلها التاريخ – و هو الحوارالذي حصل على أرض الحبشة قبل ما يجاوز الألف و أربعمائة عام ..

 

القصة باختصار ..

قصة المسلمين المهاجرين إلى أرض الحبشة , اذ قال لهم الرسول الله عليه الصلاة و السلام “إن فيها ملكا لا يُظلم عنده أحد ” ,فهاجروا إلى الحبشة حتى لا يفتنهم كفار قريش عن دينهم .

شعر كبار قريش بأن في هذا فضيحة لهم بين العرب , فكيف يخرج قومهم من بينهم و يذهبوا ليحتموا بآخرين منهم , فأرسلوا داهية العرب عمرو بن العاص رضي الله عنه – و كان لم يسلم بعد – و زودوه بالهدايا وانطلق ليقنع النجاشي بإعادتهم إلى قريش , و كان قد أوتي دهاءا و قدرة على الإقناع..

دخل عمرو بن العاص على النجاشي و قدم إليه الهدايا , التي سُر بها , و من ثم قال له باختصار إن لديك مجموعة من قومنا ,تركوا ديننا و لم يدخلوا في دينك , و ابتدعوا لهم دينا جديدا لا نعرفه , و أهلهم أولى بهم و يريدون أن يستعيدونهم .. لكن النجاشي الذي لا يُظلم عنده أحد , رفض بقوله حتى أسمع منهم ..

قرر المسلمون على ألا يقولوا إلاالصدق , و أن يُؤمِروا جعفر بن أبي طالب يتحدث باسمهم ..

و اجتمع المسلمون بقيادة جعفر رضي الله عنه الذي كان يمثل المسلمين , و عمرو بن العاص رضي الله عنه و الذي كان يمثل المشركين آنذاك , و وقف الملك النجاشي يفصل بينهم و الذي كان يمثل النصارى و يقال أنه أسلم فيما بعد ..

 

حوار بين ثلاثة أديان ..

و إن كنت سمعتُ هذه القصة مرارا و قرأتها تكرارا , إلا أنني هذه المرة رأيتها ممثلة في بضع مشاهد تلفزيونية , بغض النظر عن حكم تلك المشاهد و تمثيل تلك الشخصيات , إلاو أنني و الحق يقال , استشعرت الموقف أكثر من كل مرة أقرأ فيها القصة أو اسمعها ..

و هنا أود أن اشير إلى موضوعين أو يزيد .. و إن اختلف كل موضوع عن الآخر ..

الأول داخل الدائرة , و هو فن الحوار, و كيف كان الحوار راقيا جذابا , و كيف اتى كل واحدٍ منهم بحجته , و تأهب للحديث , و هذا واضحٌ جليٌ في القصة وفي كل الأطراف المُتحاورة .. فاستبدل عمرو الحجة حين شعر أنها غير مقنعه , و النجاشي استمع الى جميع الاطراف المتحاورة , و لم يكتفي بطرف واحد , و المسلمين قرروا قول الصدق , و تمثيل شخص منهم يتحدث باسمهم .. و كل ذلك من آداب الحوار الراقي ..

و الآخر .. و إن أخرجني من دائرة الثقافة التنظيمية , و أبعدني عنها نوعا ما ..إلا أنني أعلم أنني أُحسُ به , وأعلم أنه بحد ذاته قضية .. و أعلم أن هذين الأمرين يكفيان لايصال المعنى لقلوبكم ..

 

الأمر الآخر هو الفنون ..

 و من بينها التمثيل , فالتمثيل في بلادنا يعني انحطاط فكر , أو عري .. أوربما يكون شيء هادف و إن كان نادرا و لا يقارن عدده بالأول , لكن رديء الجودة سيءالانتاج و الإخراج , فاشل التمثيل و التعبير .. فالتمثيل فنٌ غير مستغل في بلادنا بطريقة فعالة مؤثرة هادفة ..

ما لمشكلة في ايصال فكرة ما بالتمثيل ؟ ما لمشكلة في اتاحة مجال لكوادر كاتبة أو ممثلة ؟ ما لمشكلة في عمل نقلة نوعية في الاعلام و الفنون و التمثيل بصفة خاصة ؟ و تغيير الصورة الذهنيةالنمطية لدينا ؟

من المعروف أن الشباب بين سن السابعة عشرة و الرابعة والعشرين أكثر ما يتأثرون به هو الإعلام ..

و الاعلام الديني لدينا اما بديكورات خشبية قديمة و اهات حزينة , و قصص كئيبة و الا فلا ..

لماذا نربط ديننا دين الرقي و التفاؤل بالكآبة و الاحباط ؟؟

 

إن أحدكم في وقت فراغه  ..

لو تنقل بين قنوات التلفاز , يكاد يجدها كلها بين أمرين , إما إعلامٌ سيء المضمون , عالي جودة الانتاج و الاخراج , وبالتالي يجذب الشباب , و أسأل الله أن لا يجعلني منهم , و الآخر فاشل الاخراج والانتاج , نمطي الصورة , و ان كان هادف الجوهر و بالتالي لا يجذب الشباب ..

أريد أن أشاهد شيئا هادفا , يشد انتباهي , في وقت فراغي , بدون أن أعصي الله عز و جل ,أما الاعلام الهادف لدينا فهو بعيد عن أن يشد انتباهي للأسف ..

أحمل هم أثر الإعلام الفاسد في مجتمعنا , فالإعلام هوالمحرك للشباب ..

أليس من الأجدر بنا كمسلمين أن نستغل هذه الفنون , و نوظفها لخدمة ديننا , و شبابنا ..

فشبابنا متابع للإعلام شئنا أم أبينا .. لماذا لا نوفر لهم مساحة اعلامية هادفة جذابة ..

ماذا لو أتينا بإعلام بلا موسيقى مثلا , و بممثلين كفء يتم تدريبهم , لو وفرنا مساحة للكتاب المتميزين في ذلك ..

ما لمشكلة في أن نستعين بخبراء الغرب في الانتاج و الاخراج لينتجوا لنا ما نريد نحن ايصاله ..

التمثيل فن .. و كتابة السيناريوهات و القصص فن .. والاخراج فن .. لمَ لا نستخدم هذه الفنون لخدمة ديننا , و تحقيق أهدافنا بطريقةجذابة مختلفة ؟

ان ذلك بلا شك , يساهم في حفظ أسماعنا و أبصارنا من الحرام..

 

شاهدت في هذه الحلقة ..

قصة اعرفها مسبقا , لكن استشعرتها فعلا هذه المرة , و علمت أو أيقنت , إن صح التعبير , أننا نحن من يجعل من الحلال حراما.. و يشوه الجمال الذي وهبنا اياه ربُنا ..

 

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *