توسع كثير من الناس اليوم في نقاش وطرح كل شيء، وزاد حرصهم على فرض ما يعتقدون صحته أو يرغبون شهرته، وهذا وفر بيئة صالحة للجدل، وتبنى كل فريق نظرية ينافح عنها، وهذا أبعدهم عن العلم، وبالتالي باعد بهم عن العمل، وحدثت فجوة سحيقة بين العلم الحقيقي الذي لايمكن له أن يتبع الأهواء وبين هذا الجيل، وقد ساعدت المنصات التقنية في تأجيج ( الجدل ) حتى بلغ صورة لم يسبق لها مثيل.
قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: إذا أراد الله بقوم شراً فتح عليهم الجدل، ومنعهم العمل. وذكر الذهبي – رحمه الله – في سير أعلام النبلاء أن العابد الزاهد معروف الكرخي – رحمه الله -،قال: إذا أراد الله بعبد شراً أغلق عنه باب العمل، وفتح عليه باب الجدل.
وذُكر العابد الزاهد معروف الكرخي في مجلس الإمام أحمد بن حنبل، فقال أحد الجالسين: هو قصير العلم. فقال الإمام أحمد: “أمسك، عافاك الله، وهل يُراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟”. أي من التطبيق والخشية.
وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبى: هل كان مع معروف شيء من العلم؟ فقال لى: يا بني، كان معه رأس العلم: “خشية الله تعالى”.
فمتى ماخلصت النية لله تعالى، وتخلى أحدنا عن حظوظ النفس، والرغبة في إقصاء الآخرين لتقديم نفسه، وحمل اعتقادًا مبنيا على البحث الحثيث عن الحقيقة العلمية،
وأن الآراء تحتمل الصواب وتحتمل الخطأ، وقد يكون في الرأي الواحد شيء من الصواب وشيء من الخطأ، متى ما ربى نفسه على ذلك قرب من العلم وانتفع به وعمل بما يعلم، وابتعد عن الجدل والخلاف.
فما الذي يمنعنا من أن نأخذ بأحسنها، ويعذر بعضنا بعضاً فيما جهلنا!؟


التعليقات