حين يزور ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الولايات المتحدة الأمريكية بعد أيام قليلة فإن الحدث لا يُقاس بميزان الزيارات الرسمية المعتادة بل بميزان التحول في طبيعة العلاقات الدولية بين بلدين يتقاطعان عند مفصل التاريخ والمستقبل. فهذه ليست زيارة بروتوكولية بل تعبير عن مرحلة سعودية جديدة وعن حضور وطني يتجاوز الإقليم نحو العالم بثقة العارف بمكانته ودوره.
السعودية اليوم تدخل المشهد الدولي بوصفها دولة فاعلة في معادلة الاستقرار والنمو تمتلك من الطموح والرؤية ما يجعلها شريكاً في صياغة القرار العالمي. وبهذا المعنى فإن زيارة ولي العهد إلى واشنطن ليست لقاء بين حكومتين فحسب بل تلاقي رؤيتين إحداهما تبحث عن الاستقرار في عالم مضطرب والأخرى تسعى إلى بناء مستقبل عربي يقوم على التنمية والتوازن والسيادة.
في ظل رؤية 2030 أصبحت المملكة تتحدث بلغة العصر بلغة الاقتصاد المتنوع والطاقة المستدامة والتقنية والابتكار وتمكين الإنسان رجلاً كان أوامرأة كشريك أصيل في البناء. والمرأة السعودية في هذا السياق لم تكن يوماً على هامش الحركة بل كانت ولا تزال ركناً في سيرورة الحياة الوطنية تتفاعل مع نبضها وتمنحها عمقها واتزانها الإنساني.
وفي هذا الإطار تدرك أمريكا أن الضيف القادم إليها لا يمثل نفسه بل يمثل التحول السعودي بكل تجلياته يمثل جيلاً جديداً في القيادة والسياسة والاقتصاد جيلاً واثقاً من جذوره مدركاً أن الشراكة لا تعني التبعية وأن الانفتاح لا يعني التفريط. ومن هنا يصدق القول:
أمريكا أنت لن تستقبلي رجلاً واحداً بل شعباً بأكمله كل لقاء وكل تصريح وكل اتفاق محتمل في هذه الزيارة يحمل بين سطوره صوت الوطن ويعيد تشكيل صورة المملكة في الوعي العالمي. فالسعودية لم تعد موضوعاً في خطاب الآخرين بل أصبحت منتجة للخطاب نفسه تصوغه بلغتها ومفرداتها ومفاهيمها الخاصة.
إن ما يميز هذه اللحظة ليس حضور الأمير فحسب بل حضور السعودية الجديدة دولة تعرف كيف توازن بين الأصالة والتحديث، بين القيم والإنجاز، بين الإرث والابتكار. ولهذا فإن على واشنطن أن تحسن الاستقبال لا لمجاملة دبلوماسية بل لأن القادم إليها يحمل مشروع أمة قررت أن تكون ركناً في بناء العالم الآتي لا هامشاً في تاريخه.


التعليقات