الإثنين ٣ نوفمبر ٢٠٢٥ الموافق ١٣ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ

الأستاذ الدكتور غيثان بن علي بن جريس ( وموسوعة تاريخ الجنوب) – بقلم أ . د. إبراهيم بن محمد أبو طالب 

الأستاذ الدكتور غيثان بن علي بن جريس ( وموسوعة تاريخ الجنوب) – بقلم  أ . د. إبراهيم بن محمد أبو طالب 
 
إنَّ المتأمِّلَ لما يُنتجه الأستاذ الدكتور غيثان بن علي بن جريس ( مؤرخ تهامة والسراة ) من سلاسل الكتب التي نهج على تأليفها وإخراجها منذ زمن ليس بالقريب ليدرك هِمَّة هذه الشخصية وجَلَدها وإصرارها على التأليف والجمع والإخراج، وما أجزاء كتابه الموسوعي (القول المكتوب في تاريخ الجنوب) الذي بلغ المجلد الثاني والثلاثين حتى الآن ( 1447 هـ / 2025م) ..
 
ومازال مواصلا سلسلة هذا الكتاب الموسوعي ، إلا دليل على مقدار ما يبذله من جهد في التأليف والتقصِّي والتَّجميع لكلِّ ما يخصُّ المناطق الجنوبية عمومًا ( تهامة وسراة ) ومنطقة عسير وما جاورها خصوصًا . وذلك الأمر مما يوفِّر مادة علمية وبحثية كبيرة تقوم عليها الكثير من الدراسات والأبحاث التي تنبني على هذا الجهد وتستفيد منه. هذا فضلا عن قيمتها العلمية والتاريخية والحضارية في ميدانها. 
 
وإن كنتُ لستُ من أهل هذه الصناعة، ولا من المتخصِّصين في مجال التاريخ والحضارة ، ولكني أدرك جيدا – من خلال متابعتي وبعض قراءاتي لتلك المجلدات – ما تمثله هذه الكتب وتلك الموسوعة من مادة خام تتشكل منها معارف كثيرة شأن أي موسوعة تعتني بنظرة عامة وشاملة، ولا تبتعد عن المنهجية التاريخية والاجتماعية لمعرفة أحوال الناس وحالات المناطق الجنوبية ( الباحة ، والقنفذة ، وعسير ، وجازان ، ونجران ) وجغرافيتها، وما تمر بها من تحولات تاريخية ، واجتماعية ، واقتصادية ، وثقافية وتعليمية وتنموية على وجه الشمول .
 
وكذلك فيما قرأت للمؤرخ غيثان بن جريس من أعمال منها على سبيل المثال كتاب ( أبها حاضرة عسير – دراسة وثائقيه ) ( طبعة 1417هـ / 1997م) ،  وقد كتبتُ عنها مقالا قبل فترة من الزمن ، نشر في أحد الأجزاء من موسوعة ( القول المكتوب في تاريخ الجنوب )،بيّنت فيه مدى أهمية هذا النوع من التاريخ للمدن العريقة، والتركيز على تفاصيلها التاريخية والجغرافية ومدى فائدتها للقارئ المثقف والمتخصِّص على حد سواء.
 
ولهذا الباحث و المؤرخ الكثير من الأعمال والكتب التي تناولت مدنًا أخرى بعينها أو محافظات لها بعدها التاريخي والاجتماعي الضارب في أعماق التاريخ السعودي ، والعربي القديم ، والإسلامي المبكر، والوسيط ، والحديث ، والمعاصر ، كما أن لها خصوصيتها في التشكيل الثقافي والوجدان الشعبي للمنطقة الجنوبية التي هي ميدان هذا الباحث وعالمه الذي أفنى فيه ومن أجله عمره المديد لأكثر من أربعة عقود تأليفا، وتدريسا، ومتابعة، وحياة. 
 
(*)  ومن هنا فما شهادتي هذه إلا شهادة متابع متأمل، وملاحظة قارئ مهتم بهذا الإنتاج الذي يثير الإعجاب والدهشة لأكثر من سبب وأذكر بعضها في النقاط التالية :  
 
أولًا: الحرص على الاستمرار في بيان تاريخ وحضارة وتراث وموروث البلاد التهامية والسروية بامتدادها الجغرافي من مكة المكرمة والطائف الى مناطق عسير وجازان ونجران (أي البلاد الواقعة بين اليمن والحجاز ) التي امتد إليها عمل هذا المؤرخ وغطَّت كتبه الكثير من عوالمها وفضاءاتها التاريخية والجغرافية عبر العصور التاريخية من قبل الإسلام إلى وقتنا الحاضر . 
 
 ثانيا : تلك الروح الدؤوب المثابرة على المتابعة والتحرّي والجمع والتنقيب فما يفيد هذه الرقعة من الدراسات سواء التاريخية ، أو الجغرافية ، أو اللغوية ، أو الثقافية ، أوالإجتماعية ، أوالاقتصادية ، أو الإدارية وغيرها من الميادين الحضارية الأخرى ، وفي مقدوره واستطاعته أن يضمنه كتبه وموسوعته فإنه لا يتأخر عن ذلك، بل ويسعى إليه بكل جهد جهيد، وسواء كان ذلك بحثا لأستاذ ، أو لطالب دراسات عليا ، أو لكاتب  أو باحث قدير فإنه يخرجه ضمن كتبه ويعطيه حقَّه من التقديم ويفسح له المجال في الانتشار والتوثيق بروح الأستاذ وأفق المشرف .
 
 ثالثا : قدرة هذا الأستاذ والمؤرخ الفائقة على استثمار علاقاته الإنسانية والعلمية والأخوية والاقتصادية في دعم كتبه وطباعتها طباعة فاخرة في مجلدات قيمة الجودة والإخراج، في زمن ربما مال الناس فيه إلى ما دون الكتاب من الوسائل الأخرى المختلفة، ولكنه ظلّ مخلصا للكتاب وحاملا للوائه العريق. 
 
 رابعا: تلك الروح الوثَّابة المتجدِّدة التي يحملها الأستاذ الدكتور غيثان بن علي بن جريس، وقد عُرف بها وسار عليها في أنه لا يدِّخر وسعًا في إيصال كتبه ومؤلفاته إلى كل من يعتقد أنه سيفيد منها أو سيقرأ محتواها وبخاصَّة من الأكاديميين والأساتذة والأعلام والشخصيات الاعتبارية سواء من أبناء بلده ( المملكة العربية السعودية ) أو من البلدان العربية الشقيقة. 
 
كل هذا وغيره هي صفات إيجابية عالية، وقدرة ومهارة فائقة اكتسبها الأستاذ الدكتور غيثان بن جريس من خلال رحلته العلمية ومسيرته التأليفية التي بدأت من الابتعاث للدراسة في الخارج في مطلع القرن الهجري الحالي – وربما من قبلها- واستمرت أثناء عمله وتدريسه في جامعة الملك سعود ثم جامعة الملك خالد ( 45 ) عاما ، وتسنُّمه لمناصب إدارية وعلمية، وهو لم ينقطع عن ذلك الشغف الملازم له في جمع الوثائق وتحري المخطوطات وكتابة الأبحاث والأعمال التي يستثمرها في كتبه، ويسعى إلى المحافظة عليها وإخراجها على الدوام. 
 
وخلاصة القول : إن هذا العمل جدير بالتحية، وحقيق بالتقدير، وما على الأجيال القادمة إلَّا أن تتكئ على إرث قيّم، وفرَّه لها هذا المؤرخ والباحث المجتهد، فلتقلِّبْ في صفحات ما حفظه لها، ولتدرسْ هذه الموسوعة الكبيرة والمؤلفات الكثيرة، وتستثمر ذلك الجهد في أبحاثها ودراساتها المستقبلية.
 
وختاما: كل التقدير لمن يرفع عَلَم العلم عاليا، ويرفع لواء التأليف شامخًا، ويستمر في الكتابة والإنتاج بالشغف ذاته وبالروح نفسها التي يستقبلُ فيها كتابه المئة كما استقبل كتابه الأول بلهفة مشتاق وفرحة محب، ونشوة ميلاد. جزى اللهُ الأستاذ الدكتور غيثان بن علي بن جريس خير الجزاء على ما ألَّف، وجزاء ما صنَّف وعلى قدر ما أفاد وأعطى، وجعله الله في ميزان حسناته وفي دواوين أعماله. والله ولي الهداية والتوفيق!
 
ضيف صحيفة النماص اليوم : أ . د. إبراهيم بن محمد أبو طالب أستاذ الأدب والنقد الحديث بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة الملك خالد أبها -.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *