الخميس ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٥ الموافق ٩ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ

الرجل المناسب في المكان المناسب – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

الرجل المناسب في المكان المناسب – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

تُعدّ المناصب الدينية العليا في المملكة العربية السعودية من أهمّ المؤسسات المرجعية التي تقوم عليها بنية الدولة، إذ تمثّل ركيزة أساسية في صون الهوية الدينية للمجتمع وتوجيهه وفق منهجٍ وسطيّ راسخ. ومن هذا المنطلق، فإن اختيار الشيخ صالح بن فوزان الفوزان لتولّي منصب المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء يُعدّ خطوة تعبّر عن ثقة القيادة في العلم والخبرة، وترسخ لمبدأ أن المسؤولية الدينية تُسند لمن هو أهلٌ لها علمًا وعدلًا وتجربة.

الشيخ صالح الفوزان من أبرز العلماء السعوديين المعاصرين، وُلد في منطقة القصيم عام 1354هـ الموافق 1935م، وتدرّج في طلب العلم حتى تخرج في كلية الشريعة بالرياض، ثم نال درجتي الماجستير والدكتوراه في الفقه المقارن، وكرّس حياته لخدمة العلم والتعليم والإفتاء. وقد عُرف بمنهجه المتزن وتمسكه بالوسطية الشرعية، فكان مثالًا للعالم العامل المخلص، وترك أثرًا علميًا عميقًا في ميادين الفقه والدعوة والبحث الشرعي.

وجاء الأمر الملكي الصادر في 22 أكتوبر 2025م بتعيينه مفتيًا عامًا للمملكة ورئيسًا لهيئة كبار العلماء خلفًا للشيخ عبدالعزيز آل الشيخ رحمه الله، ليؤكد حرص القيادة الرشيدة على استمرارية النهج العلمي المتوازن وضمان أن تظل الفتوى في المملكة منضبطة بالعلم وأصوله، بعيدة عن الانفعال والتأويل غير المنضبط. ويجسد هذا القرار مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، إذ يجمع الفوزان بين الأصالة في الفقه والخبرة في مؤسسات العلم الشرعي، إضافةً إلى ما يحظى به من تقدير واحترام واسع في الأوساط العلمية والدينية.

إن هذا التعيين لا يُعدّ مجرد انتقال في المناصب، بل يحمل دلالات عميقة في مرحلة تشهد تحولات فكرية وثقافية متسارعة، ويأتي تأكيدًا على أهمية أن تتولى القيادة الدينية في المملكة رموز علمية تمتاز بالرصانة والانضباط الشرعي. فالشيخ الفوزان يُمثل امتدادًا طبيعيًا لخط الاعتدال والوسطية الذي تأسست عليه الدولة السعودية، جامعًا بين تمسكه بالثوابت الشرعية ووعيه بمتطلبات العصر وقضاياه المتجددة.

لقد أثبت الشيخ صالح الفوزان أن الخبرة لا تُقاس بعدد السنوات فحسب، بل بما تحمله من علمٍ راسخ وتجربةٍ مؤسسية متينة، وهو ما يجعل وجوده في هذا المنصب تتويجًا لمسيرة طويلة من العطاء والتأثير في ميادين العلم والدعوة والإفتاء. ويؤكد اختياره أن المملكة ما زالت تسير بخطى واثقة في ترسيخ نهجها القائم على الكفاءة والعلم والاستمرارية.

إن مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب ليس شعارًا يُرفع، بل هو قاعدة تقوم عليها مؤسسات الدولة وركيزة لضمان استقرارها واستمراريتها في العطاء، وتعيين الشيخ صالح الفوزان مفتيًا عامًا ورئيسًا لهيئة كبار العلماء يُجسد هذه القاعدة في أنصع صورها، إذ تم اختيار عالمٍ كرّس عمره للعلم وخدمة الناس وتعليمهم، ليكمل اليوم رسالته من موقعٍ يليق بتاريخه وعطائه.

حقًا، إن الشيخ صالح الفوزان هو الرجل المناسب في المكان المناسب.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *