الثلاثاء ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥ الموافق ٧ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ

التاريخ الإعلامي في جنوب المملكة العربية السعودية ( تهامة وسراة )  في العصر الحديث – بقلم  أ . د . غيثان بن علي بن جريس

التاريخ الإعلامي في جنوب المملكة العربية السعودية ( تهامة وسراة )  في العصر الحديث – بقلم  أ . د . غيثان بن علي بن جريس

الإعلام: أي الإخبار ونقل الأنباء أو المعلومة بين أفراد أو جماعات أو شعوب أو دول وغيرها. وعرف الإعلام بين الناس منذ عصور ما قبل التاريخ وخلال العصور القديمة المتعاقبة والمختلفة. وعند سكان شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام الكثير من الطرق والوسائل الإعلامية، ولا تخلو أي ناحية من نشاطات إخبارية وتناقل الأحداث والمعلومات بجميع أنواعها.  

ظهر الإسلام، ونزل القرآن الكريم ، وجاءت سنة الرسول (ﷺ) وسيرته (عليه أفضل الصلاة والسلام) ثم انتشار الإسلام داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها، وذلك أوجد حراكاً علميًّا ومعرفيًّا وإعلاميًّا. وتشكلت حياة العرب والمسلمين ومن خالطهم من أصحاب الديانات الأخرى.

والباحث الفاحص المتأمل للتاريخ الإعلامي عند المسلمين خلال القرن (14هـ/20م) فسوف يجد كماً هائلاً من المادة العلمية التي لها صلة مباشرة وغير مباشرة بالإعلام. وسيطلع ويعرف ميادين عديدة في الحياة الإعلامية من حيث النوعية، والزمان، والمكان، والفئات البشرية، والظروف المادية والمعنوية.

ولا يمكن حصر تاريخ الإعلام في ناحية أو قطاع محدد، بل هناك إعلام جغرافي، وسياسي وعسكري، واجتماعي واقتصادي، وتعليمي وعلمي وفكرية وثقافي، وإعلام صحي وصناعي وسياحي وغيرها من المجالات الرسمية والأهلية، والخاصة والعامة، والفردية والمجتمعية، والنسائية والرجالية.   

 إن أرض السروات وتهامة (الليث والقنفذة والطائف، وديار غامد وزهران، وسروات وتهائم عسير، وبلاد جازان ونجران) جزء من العالم بجميع أطيافه وتاريخه وحضارته. وإذا اجتهدنا في معرفة شيء من الحياة الإعلامية عند التهاميين والسرويين قبل الإسلام فسوف نجد شذرات في بعض كتب التراث العربي والإسلامي، والنقوش والمصادر والرسومات الصخرية ، وفي الآثار المادية والمعنوية. 

بعد دخول جنوب شبه الجزيرة العربية في حوزة الإسلام، وأصبحت السروات وتهامة جزء من العالم الإسلامي منذ عهد الرسول ﷺ إلي عصرنا الحديث عندئذ صار لها أثرٌ وذكرٌ تاريخي، وإعلامي، وإشارات وبعض المصادر العربية والإسلامية تشير إلى جزئيات من الحياة الإعلامية العامة والخاصة..

وبعض تلك المادة العلمية تعكس شيئاً من الإعلام السياسي والحضاري، والمادي والمعنوي خلال القرون الإسلامية المبكرة الوسيطة. أما العصر الحديث فالكثير من المصادر والمخطوطات والوثائق مليئة بمعلومات متفرقة ومتنوعة عن حياة الأرض والناس الإعلامية  الداخلية والخارجية.  

(*) إن السرويين والتهاميين عاشوا ومارسوا وعرفوا أنواعاً عديدة من الأنشطة الإخبارية والإعلامية خلال القرن الهجري الماضي وهذا القرن (15هـ/20ـ21م) . ولن أفصل الحديث في هذا المحور، لأنه واسع ومتشعب بين العام والخاص ، الفردي والجماعي، الرسمي وغير الرسمي، الداخلي والخارجي، فقط أذكر بعض الإشارات الرئيسية المتصلة بالتاريخ الإعلامي في هذه الديار التهامية والسروية على النحو الآتي: 

1- الدارس لتاريخ وحضارة الناس خلال الأربعين عاماً الأولى من القرن الرابع عشر الهجري(1300- 1340هـ/1883 – 1921م) يجد أن القبائل المحلية بجميع فئاتها وعناصرها يحكمون قراهم وبواديهم وأريافهم، ولهم أخبار حربية وعسكرية واجتماعية واقتصادية، ويعيشون أحداث زمانهم وإعلاناتهم وإعلامهم حسب ظروف وإمكانات كل نشاط.

والكثير من الوثائق، والروايات الشفهية تشير إلى مادة علمية جيدة عن استعداداتهم وتخابرهم في سلمهم وصراعاتهم القبلية، وهزائمهم وانتصاراتهم، ولهم وسائل وطرق متعددة لتناقل الأخبار، وإعلان نفيرهم أثناء حروبهم، أو عقد اتفاقياتهم. وبعض الوثائق العثمانية والعربية تذكر أخبار أحداث الحروب بين السرويين والتهاميين وبين الجيوش العثمانية، أو بعض القوى السياسية والعسكرية التي جاءت من خارج بلادهم لحربهم والاعتداء على أملاكهم وأرواحهم.   

2 – جمعت واطلعت على مجموعة سجلات ووثائق عثمانية، ووثائق عربية محلية تشير إلى نشر أخبار مكتوبة أو مروية عن الناس في بعض الحروب والأنشطة العسكرية التي شهدتها البلاد خلال النصف الأول من القرن الماضي (ق14هـ/20م). ومثل هذه المصادر جديرة أن تُدرس في عدد من الدراسات العلمية الأكاديمية. 

3 – في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية الكثير من الأنشطة التي تحتاج إلى دعاية وإعلان، أو أخبار وإعلام . والكثير من المناسبات الاجتماعية التي يمارسها الناس يتخللها مناشط إعلامية عديدة بين جميع شرائح المجتمع . كذلك الحياة الاقتصادية وما عاصرها من سلبيات وإيجابيات تُعد جزءاً من أخبار السكان وأنشطتهم الحضارية المتنوعة. أما الحياة العلمية والتعليمية والثقافية والفكرية فهي الميدان الخصب للتاريخ الإخباري والإعلامي.    

(*) دخلت ديار تهامة والسراة تحت حكم الدولة السعودية الحديثة، وحدث لها تطور تنموي تدريجي خلال النصف الثاني من القرن (14هـ/20م). وكانت الحياة الإخبارية الإعلانية أحد المجالات الحضارية التي عرفتها وشهدتها البلاد. وفي مقتطفات قليلة تالية أرصد شيئاً من ذلك التاريخ. 

أ- استمر الناس يعيشون حياتهم التاريخية الحضارية التي عرفوها ومارسوها خلال النصف الأول من القرن الهجري الماضي، إلا أن الدولة الحديثة (المملكة العربية السعودية) مدت نفوذها إلى بلادهم مع توفير الكثير من الأعمال والرؤى لجمع شتات البشر على طريق واضح يقود إلى الوحدة العامة، وحماية البلاد والعباد والأعراض، وتبديل حياة السكان من التمزق والفوضى والقتال إلى مجتمعات مترابطة متكاتفة متحابة متعاونة في بناء وطن كبير شامل عام يحتوي جميع شرائح المجتمع، والسير بهم إلى بر التقدم والنمو والازدهار.  

ب- قرأت آلاف التعاميم والمنشورات ، والخطابات، والأوراق، والوثائق الرسمية والشعبية التي أرسلت إلى سكان السروات وتهامة. وكثير منها من الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل ، والملوك سعود، وفيصل، وخالد. أو من أمراء، ووزراء ، وعلماء، وقضاة، ورجال دولة عسكريين ومدنيين، أو من بعض المسؤولين والأعيان والشيوخ والأعلام والمتعلمين في تهامة والسراة.

وجميع هذه المصادر التاريخية الأساسية تشتمل على معلومات تاريخية متنوعة. ومن بينها مواد جيدة تعكس صوراً من الحياة الإعلانية والإخبارية والإعلامية التي تؤكد على البناء والتطوير ووجوب استقامة أحوال البشر في جميع أمورهم العامة والخاصة، الفردية والجماعية.      

ج – لو بحثنا في حياة الناس الشعبية العامة، فسوف نجد مادة متناثرة تعكس تناقل الأخبار والقصص والأحداث بين أفراد الأسرة، أو الأسر، أو القرى، أو المدن، أو البوادي والأرياف، أو العشائر والقبائل. وهذا التاريخ جزء من حياة السكان الإعلامية.

وقرأت وشاهدت وسمعت الكثير من هذا الحراك الاجتماعي الإخباري خلال العقود الأخيرة من القرن الهجري الماضي. والمادة التخابرية المتناقلة والمتداولة بين أطياف المجتمع تشتمل على معلومات متناثرة وكثيرة في جميع جوانب الحياة البشرية، وتعكس جزئيات جيدة من تاريخ عامة الناس.   

د – من يدرس تاريخ كل مؤسسة إدارية حكومية أنشئت في السروات وتهامة (1345ــ1400هـ/ 1926ــ1980م) فسيجد ضمن أوراقها وأراشيفها وتاريخها مصادر كثيرة تشتمل على تعاميم وتوجيهات وقرارات ووثائق رسمية وشعبية إخبارية وإعلانية وإعلامية.

واطلعت على مئات المصادر الوثائقية ذات الصلة بمراكز الإمارات، والإدارات المالية، والتعليمية، والإرشادية والدعوية، والأمنية خلال ثلاثة عقود (1360ــ 1390هـ/ 1940 ــ1970م ) فوجدت فيها تفصيلات إخبارية وإعلامية جيدة، ومن أراد معرفة التاريخ الإعلامي في هذه الديار الجنوبية السعودية أثناء تلك الفترة فعليه أن يطلع على هذه المصادر وسوف يجد فيها مادة موثوقة جيدة لخدمة مثل هذا المشروع العلمي.

هـ- إذا بحثنا عن تاريخ الإعلام الرسمي في السروات وتهامة، وجدنا أن بلاد الحجاز رائدة في هذا المجال. فأهل الحجاز عرفوا ومارسوا وشاهدوا حراك صحفي وإعلامي خلال النصف الأول من القرن الماضي. وهناك العديد من الكتب والدراسات المنشورة وغير المنشورة ..

التي أشارت إلى تاريخ الصحافة وبعض الوسائل الإعلامية التي كانت في مكة المكرمة وغيرها أثناء نفوذ العثمانيين والأمراء الأشراف في الحجاز خلال النصف الثاني من القرن (13هـ/19م)، والعقود الأولى من القرن (14هـ /20م)، ومن المؤكد أن أهل تهامة والسراة على اتصال دائم بأرض الحجاز، وبعض السرويين والتهاميين اطلعوا وعرفوا شيئاً من ذلك التاريخ الحضاري الإعلامي.

انطلق الإعلام السعودي الحديث من الحجاز، وكان في البداية مرتبطاً إداريًّا بمديرية المالية، ثم نقل ارتباطه إلى الديوان الملكي في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود. ثم أنشئت المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، وجرى على الإعلام بعض التطويرات خلال الثمانينيات والتسعينيات .

والحديث عن تاريخ الإعلام خلال القرن الهجري الماضي مذكور في العديد من الدراسات العلمية، لكنني أشير إلى عناصر محدودة عن بعض المجالات الإعلامية، مثل الصحافة، والكتاب، والإذاعة، والرائي (التلفاز) خلال القرن(14هـ/20م).  

1 – جريدة أم القرى أول صحيفة رسمية تصدر في عهد الملك عبدالعزيز، وكان صدورها في أربعينيات القرن  الهجري الماضي، وتعد بديلاً عن صحيفة القبلة. ومن الخمسينيات إلى التسعينيات أنشئت صحف فردية، ثم  مؤسسات صحفية. والحجاز أول المناطق التي حظيت بالعديد من الصحف والمجلات الفردية ثم المؤسساتية، تلتها نجد، ثم المنطقة الشرقية. كما صدر العديد من المواد الصحفية التابعة لمؤسسات إدارية رسمية ووزارات حكومية. 

2- الكتاب الوعاء الأساسي لطلب العلم والمعرفة، وعرفت الجزيرة العربية الكتاب منذ عصور قديمة، لكنها مخطوطة بخط اليد، ثم ظهرت الطباعة والمطابع في العصر الحديث، لكنها لم تصل إلى الجزيرة العربية إلا في عهد متأخر. وبعض المصادر تشير إلى ظهور مطابع محدودة في إمكاناتها بحواضر الحجاز الكبرى خلال النصف الأول من القرن (14هـ/20م) .

وكانت الكتب المطبوعة تجلب من خارج البلاد وبخاصة من مصر. والحرمان الشريفان بمكة المكرمة والمدينة المنورة مكاناً نشطاً لحركة التدوين والتأليف، ومن يبحث في قوائم المكتبات الداخلية والخارجية الورقية والرقمية فسيجد قائمة طويلة بأسماء الكتب والدراسات التي أنتجها علماء عرب ومسلمين في بلاد الحرمين خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين.

ولم تكن خدمة الكتاب ودعم وتشجيع المطابع في شبه الجزيرة العربية خلال النصف الأول من القرن (14هـ/20م) جيدة، لكن بعد دخول الحجاز تحت حكم الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل وبدايات ثم تطور التعليم والتنمية الإدارية والصحفية الحديثة، وتأسيس ثم تطوير المديريات ثم الوزارات الحكومية حدث نمو وتقدم جيد لحركة الكتاب وتأسيس ثم تزايد المطابع ودور النشر. 

3 – الإذاعة من وسائل الإعلام المهمة، وأنشئت في بعض الدول العربية والإسلامية منذ وقت مبكر. وفي أوائل الخمسينيات من القرن (14هـ/20م) حرص الإمام عبدالعزيز الفيصل على توفير وسيلة إذاعية يعرف من خلالها أحوال بلاده جغرافيًّا وبشريًّا. ويعد الراديو منبراً يستطيع الإنسان من خلالها تلقي الأخبار المتنوعة.

وبدأت الإذاعة في الحجاز بشكل عملي ورسمي في الستينيات، ثم توسعت وتطورت خلال السبعينيات والثمانينيات و التسعينيات حتى شملت أرجاء المملكة، وتعددت أنواعها وبرامجها وتطورت حتى وصلت إلى بلدان عديدة في العالم العربي والإسلامي والأجنبي.  

4 – التلفزيون أحد وسائل الأخبار( الإعلام) الرئيسية في البلاد. وكان أول بث تلفزيوني غير رسمي في المملكة وعلى مستوى الشرق الأوسط في عام (1375/1955م) بواسطة محطة تلفزيون البعثة الأمريكية في الظهران باللغة الإنجليزية وفي محيط بلدة الظهران فقط. أما الافتتاح الرسمي فكان في بدايات عام (1385هـ/ 1965م) ومن محطتي جدة والرياض.

وتوسعت خدمات التلفزيون الأسود والأبيض إلى مناطق عديدة في المملكة، ومنها بلاد الباحة وعسير خلال العقد الثامن من القرن (14هـ/20م). وفي منتصف التسعينيات بدأ بث التلفزيون الملون وقناة واحدة باللغة العربية. وفي عام (1403هـ/1983م) بدأ بث القناة الثانية باللغة الإنجليزية، ثم تطورت الخدمات التلفزيونية في الإعداد والانتشار، والبرامج، والإمكانات ، والتقنيات الحديثة والمعاصرة.

(*) في بضع صفحات تالية أدون لمحات من تاريخ الحياة الإعلامية في تهامة والسراة، والمادة المدونة مستقاة من القراءة والمعاصرة والمشاهدة وهي على النحو الآتي: 

أ – إن الفترة الزمنية المقصودة في هذه الورقة  (1395-1447 هـ/ 1975-2025 م )، حقبة نمو وتطور وازدهار في شتى مناحي الحياة. وصارت جميع المدن والقرى ولمناطق مخدومة بكل الوسائل الإعلامية الرسمية. فكل الجرائد والمجلات الورقية الموجودة في المدن الكبرى في المملكة أصبحت متوفرة عند التهاميين والسرويين، فتجدها في مكاتبهم، ومدارسهم، ومنازلهم، وكلياتهم، وجامعاتهم، ومعاهدهم، والمكتبات الحكومية والتجارية.

واستمرت على هذا الوضع يطلع عليها ويستفيد منها  كل من رغب وأراد الحصول عليها. ثم  جاءت التقنية الحديثة وخدمات الإنترنت، فبدأت الصحف الورقية تتراجع بشكل كبير ودخلت الصحافة الرقمية بقوة إلى حياة الناس. وشاهدت العديد من الوسائل الصحفية الرقمية التي مارسها الناس في العشرينيات ثم تبدلت وتطورت وتنوعت حتى صار هناك الكثير من الصحف الرسمية والأهلية، العربية والأجنبية.

بل سمعت وقرأت عن أنظمة صحفية تقنية حديثة عند الكثير من الإدارات والمؤسسات في القطاعين الحكومي والخاص وأصبح الإنسان يستطيع أن يطلع على أي وسيلة صحفية في العالم، ومن أراد جلبها رقميًّا أو سحبها من مواقعها ورقيًّا فذلك سهل وميسور.

وكانت المدن الكبيرة في المملكة العربية السعودية هي المقر الرئيسي للجرائد والمجلات السعودية الحكومية والأهلية، ولا يوجد في بلدان السروات وتهامة إلا مجلات قليلة ومحدودة الانتشار. وفي نهاية العقد الثاني من القرن الحالي أنشئت مؤسسة عسير للصحافة والنشر، وأصبحت جريدة الوطن تصدر من مركز الصحيفة الرئيسي بمدينة أبها.

واستمرت متفوقة وتتصدر الصحف السعودية لتنوع موضوعاتها، وما يطرح فيها من معارف ومواد ثقافية وإعلامية وصحفية. ومازالت هذه الصحيفة تصدر حتى الآن ( 1447 هـ/ 2025 م ) رقميًّا، وأعداد قليلة ورقيًّا.

كما عاصرت مسيرة التعليم العام والعالي في عموم السروات وتهامة، وشاهدت الكثير من المجلات والصحف المدرسية الورقية ثم الرقمية. ورأيت العديد من المعاهد ، والثانويات، والكليات الأدبية والعلمية والفنية ثم الجامعات المحلية التي تعد وتصدر منشورات أو مدونات أو مجلات أو صحف ثقافية وعلمية.

وبعض تلك الأعمال على مستوى جيد من الناحية المعرفية، بالإضافة إلى جودة الإنتاج والإخراج، ثم النشر والتوزيع. وكانت جميع هذه الأوعية ورقية حتى ثلاثينيات هذا القرن(15هـ/21م)، ثم بدأت المؤسسات العلمية والتعليمية والثقافية تكتفي بإصدار أعمال علمية وصحفية رقمية.  

ب – إن الكتاب الوعاء الأول الذي استفاد منه التهاميين والسرويين في العصر الحديث، وإذا درسنا تصنيف الكتاب (المخطوط، أو المطبوع) ثم وصوله وانتشاره بين الناس فذلك موضوع كبير يوثق في كتب ودراسات عديدة. ووجود الكتاب عند أهل البلاد يعود إلى قرون قديمة . لكن خلال العصر السعودي الحديث (1340ــ1447 هـ/1921ــ2025م م ) تطور وضع الكتاب الخاص والعام، الحكومي والتجاري، وتعددت أنواعه ومجالاته. والكتب الدينية والأدبية واللغوية والتاريخية الأكثر تداولاً بين الناس خلال النصف الثاني من القرن الهجري الماضي..

وأكثرها تطبع وتنشر خارج البلاد، ثم تجلب رسميًّا أو تجاريًّا وتوزع في المكتبات الحكومية أو التجارية. وأصحاب المكتبات الخاصة أكثر من يحرص على اقتناء الكتب (مصادر أو مراجع). وبعد انتشار وتطور التعليم العام والعالي، وكثرة أعداد المتعلمين في التعليم الجامعي، وتأسيس ثم تكاثر المطابع السعودية المحلية، عندئذٍ زادت أعداد الكتب وأنواعها وموضوعاتها باللغة العربية ولغات أخرى أجنبية، وأصبحت متوفرة بكثرة في مكتبات المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والأهلية المتنوعة.

قضيت عقوداً عديدة أزور المكتبات الجامعية ، والعامة، والتجارية، والخاصة في أرجاء الوطن (المملكة العربية السعودية). وحضرت معارض كتب عديدة في الرياض، وجدة، والمدينة المنورة، وبعض مدن السروات وتهامة (1405-1446 هـ/1985ــ2024م)، وشاهدت دورة الكتاب ووجوده بين شرائح المجتمع، وكانت ومازالت ثماره وآثاره الإيجابية واضحة للعيان على المستوى العلمي، والإعلامي، والتربوي، والثقافي، والتنويري، والسلوكي وغيرها.

ورأيت وعاصرت جهوداً كبيرة للدولة في توفير الكتاب للناس، ومن يطّلع على الكتب المدرسية، فهناك أموالاً كبيرة وأعمالاً جليلة وخططاً رسمية تقوم على إعداد الكتاب المدرسي، ثم توزيعه على طلاب مراحل التعليم العام بالمجان.

وحظي التعليم الجامعي برعاية الحكومة الكريمة في شتى المجالات، وتوفير الكتاب الجامعي للطالبات والطلاب بأسعار مخفضة، وتعقد مسابقات وجوائز عديدة يحصل المتسابقون من خلالها على مكافآت متنوعة ومنها كتب علمية ومعرفية وثقافية وجامعية. ومن يزور مكتبات الكليات والجامعات، وبعض المؤسسات الحكومية الأخرى فسيجد كميات كثيرة وكبيرة من الكتب المتنوعة في عناوينها وخدماتها الثقافية والإعلامية والتعليمية والبحثية.

وتأليف الكتب وإعدادها خلال المئة سنة الأخيرة، موضوع، حسب علمي، لم يّدرس في دراسات جادة. وظهر في مدن وحواضر تهامة والسراة مؤلفون عديدون خلال النصف الثاني من القرن الهجري الماضي، ومنهم من استطاع طباعة عمله العلمي ونشره، وآخرون اكتفوا بتأليف كتبهم ثم بقيت مخطوطة حتى جاء بعدهم من درس بعضها وحققها ونشرها.

ومازال هناك الكثير من المخطوطات الجديرة بالتحقيق العلمي ثم النشر. وشاهدت من تسعينيات القرن الماضي إلى الآن ( 1447 هـ /2025 م ) حركة تأليف وطباعة نشر كتب وبحوث كثيرة في مدن ومناطق وحواضر جنوب المملكة العربية السعودية . والمؤلفون لهذا النتاج العلمي والمعرفي من أهل البلاد،(تهاميين وسروييين)، ومن السعوديين والعرب، والمسلمين، والأجانب.

وكل هذا ناتج عن التطور العلمي والتنموي والحضاري الذي تعيشه بلادنا (المملكة العربية السعودية) من سبعينيات القرن الماضي إلى الآن. وشاهدت في العشرين سنة الأخيرة انتشار وتأثير الكتاب الورقي ثم الرقمي، حتى صار أي فرد في المجتمع (ذكراً أو أنثى) يستطيع أن يطلع أو يقتني الكتاب الذي يرغب باللغة العربية أو أي لغة أخرى، وفي أي موضوع أو تخصص..

وبدأ الكتاب الورقي يتراجع عما كان عليه سابقاً لتوفر الكتاب الرقمي بسهولة ويسر، وهذا التطور العلمي الإعلامي والمعرفي لا يخلو من إيجابيات كثيرة، لكن الوصول إلى المعلومة عن طريق الإنترنت في كتاب أو أي وعاء علمي آخر له أيضاً سلبيات عديدة، ومنها: سهولة سرقة المعلومة( المعلومات) واقتصاصها دون حفظ حقوق أصحابها.

وبعض طلاب العلم في جميع المراحل يعودون إلى الكتاب أو المصدر أو المرجع الرقمي فيأخذون معلومات سطحية لاستكمال واجباتهم العلمية والحصول على شهاداتهم المرجوة، دون أن يبذلوا جهداً كبيراً للتعليم والتعلم، والنتيجة يتخرج أجيال من المتعلمين ضعيفة في تحصيلها العلمي، وعاجزة عن أداء واجباتها، الوظيفية بصورة جيدة.  

ج – قدمت الإذاعة الكثير من المعارف والثقافات والتنويرات العلمية خلال العقود الستة الماضية الأخيرة. وشاهدت الراديو عند الآباء والأجداد من ثمانينات القرن (15هـ/20م) فقد كان من الوسائل الإعلامية الموجودة والمنتشرة عند الأفراد والأسر في المدن، والقرى، والأرياف، وحتى البوادي .

ومما عاصرته في سروات عسير وغامد وزهران في تسعينيات القرن (14هـ/20م) حرص أفراد الأسرة الواحدة، ويتقدمهم رب الأسرة ، على سماع بعض البرامج الإذاعية الدينية والثقافية وغيرها. وكانت أجهزة الراديو في الماضي متفاوتة من حيث الجودة والحجم والنوع والموديل والأسعار.

وزرت خلال العشرين  سنة الأخيرة  ( 1426 – 1446 هـ/ 2005-2024م ) بعض المتاحف التاريخية العامة والخاصة في بعض مدن تهامة والسراة، وشاهدت العديد من أنواع الراديو التي استخدمها بعض السكان خلال القرن الهجري الماضي. وزرت في العقد الماضي(1430ــ1440هـ/ 2009ــ2019م)  الأسواق التجارية في مدن الطائف، والباحة، وبيشة، وأبها، وخميس مشيط، وصبيا، وجازان، ونجران..

ورأيت أنواعاً كثيرة من أجهزة الراديو الحديثة ذات المميزات والمواصفات العالية. لكن جهاز الراديو في العقود المتأخرة لم يعد له ذلك الحضور الجيد بين الناس، لأنه صار هناك الكثير من البدائل الإعلاميةالحديثة والمتطورة في نقل الأخبار بالصورة والصوت.

وأصبحت الأخبار الإذاعية تنقل من راديو السيارات، والطائرات، وغيرها من وسائل النقل والإعلام المختلفة. وقد بذلت الحكومة السعودية الحديثة أمولاً وجهوداً كبيرة في تأسيس وتطوير مؤسسات الإذاعة في البلاد. وأثناء تجوالي في ربوع السروات وتهامة خلال هذا القرن (15هـ/20ـــ21م) شاهدت إدارات ومراكز ومقرات للإذاعة مجهزة بالأجهزة والمعدات التقنية والفنية والإدارية الحديثة التي تعمل وتشرف على الأنشطة والبرامج الإذاعية المحلية والإقليمية والعالمية.

والتقيت بالعديد من المسؤولين في هذه المؤسسات بمناطق عسير، وجازان، ونجران، وأطلعوني على الكثير من المنجزات الحضارية الحديثة والمعاصرة في هذا القطاع الإعلامي المهم. 

د – ازدهرت وتطورت وسيلة الرائي (التلفاز) من نهاية القرن الهجري الماضي (14هـ / 20م )، ففي التسعينيات بدأ البث التلفزيوني في بعض مدن ونواحي تهامة والسراة، وكان وقتها ضعيفاً ، لكننا نقضي أوقاتاً جميلة في مشاهدات العديد من البرامج البيضاء والسوداء ثم الملونة مثل المباريات الرياضية، والمسلسلات والأغاني المصرية و الشامية ، والأخبار ، وبرامج أخرى متنوعة..

ولم يكن كل الناس عندهم جهاز تلفزيون. وفي العقدين الأولين من هذا القرن (15هـ/20م) تطورت محطات التلفزيون السعودي، وكانت محطة أبها من أنشط المحطات في السروات وتهامة، ثم زادت أعدادا وأنواع البرامج التلفزيونية، وجرى بعض التطويرات الكيفية والكمية على منجزات ومناشط التلفزيون بقناتيه الأولى والثانية.

وتطور وسيلة الرائي (التلفاز) الإعلامية خلال العشرين سنة الأخيرة (1425ــ 1446 هـ /2004ــ2024م). وكان للشبكة العنكبوتية والأقمار الصناعية دوراً كبيراً في ظهور مئات القنوات التلفزيونية العربية والإسلامية والأجنبية . بل تعددت القنوات العامة والتخصصية، وأصبحنا نشاهد آلاف البرامج والمعارف التي تبثها هذه الوسائل الإعلامية.

وأصبحت القناتان السعوديتان بالإضافة إلى قنوات أخرى مثل الإخبارية وغيرها جزءاً صغيراً جداً من منظومة القنوات الكثيرة المحلية، والإقليمية والإعلامية. وصار هناك العشرات من رجال الأعمال السعوديين يمتلكون شركات تلفزيونية وفضائية كبيرة ومتنوعة، بل بعضهم استحوذوا على نسب كبيرة جداً من الإعلام والبث الفضائي في العالم ، وبخاصة العالمين العربي والإسلامي. 

لا يمكن حصر إسهامات التقنية الحديثة إعلاميًّا في المحاور والمجالات الآنف ذكرها. بل ظهر مؤخراً الكثير من الأجهزة الدقيقة، والبرامج والتطبيقات الحديثة والمعاصرة التي تعمل في نقل الأخبار والصور والأفلام والفيديوهات واليوتيوب وغيرها بطرق متنوعة واحترافية.

ولم يصبح هناك أي صعوبة في البحث أو الاطلاع أو مشاهدة أو سماع معلومات أو صور ومناظر في أي جزء من الكرة الأرضية. وصارت وسائل الإذاعة والرائي(التلفاز) التي عرفناها واستخدمناها خلال العشرين سنة الأولى من هذا القرن (15هـ/20م) وسائل بسيطة ومتواضعة لما نراه ونشاهده في وقتنا الحاضر. وقد نرى في المستقبل وسائل أكثر دقة وتطور وتأثير وانتشار مما نشاهد ونعيشه حاليًّا. 

لم أناقش الطرق التقليدية التي مارسها التهاميون والسريون من بداية القرن الهجري الماضي إلى وقتنا الحاضر. وللعلم أن هناك الكثير من الوسائل والممارسات التي عرفها الناس خلال هذا التاريخ الحديث والمعاصر، خلاف ما تم توثيقه والإشارة إليه.

واطلعت على الكثير من المصادر والوثائق التي أشارت إلى شيء من ذلك. ورأيت وعاصرت الآباء والأجداد ونساء ورجال البلاد في مناطق عسير، والباحة، وجازان كيف كان لهم تعاملات ونشاطات بشرية متنوعة لا تخلو من توظيف الأخبار والإعلان والحياة الإعلامية في الكثير من الجوانب الحياتية المتعددة والمتنوعة.. وصلى الله وسلم على رسول الله وآله وصحبه أجمعين .

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *