من خلال تجربة امتدت لأكثر من 32 عاماً في مجال التعليم العام بكافة مراحله في أكثر من منطقة تعليمية، عايشت واقع الميدان التربوي عن قرب، اطلعت على تفاصيل العمل داخل المدارس، وما يواجهه المعلم من أعباء متزايدة تتجاوز جوهر العملية التعليمية.
لا يزال المعلم حتى اليوم يقوم بمهمة التدريس، يُسند إليه الإشراف على الطلاب في الفسح والطابور الصباحي وأوقات الصلاة، يُطلب منه المشاركة في الأنشطة المدرسية والإرشاد الطلابي، يُكلف بسد النقص في حصص الاحتياط عندما يتغيب أحد المعلمين عن عمله، مع التزامه بالحضور والانصراف في أوقات محددة، هذا التداخل في المهام يؤدي إلى إرهاق المعلم ويفقده التركيز في مهمته الأساسية (العملية التدريسية).
حدَّد النظام التعليمي نصاب المعلم الأقصى بـ 24 حصة تدريسية أسبوعياً، مع التفاوت والاختلاف في الأعباء الأخرى، حيث تلعب العلاقات الشخصية مع مدير المدرسة دوراً واضحاً في هذا التفاوت، يُكلَّف بعض المعلمين بأعمال خارج نطاق التدريس تفوق طاقتهم، ويعفى آخرون من هذا التكليف، مع وجود مساحة من الاجتهاد الشخصي للمدير وصلاحيات أوسع من مسؤولياته الإدارية.
يحدث كل ما سبق في ظل غياب إدارات التعليم التي تراقب الجوانب الفنية المتعلقة بنصاب الحصص والحضور والخطة الدراسية، بينما تغض الطرف عن الفوارق في توزيع المهام اليومية بين المعلمين التي تتطلب المعالجة الفورية العاجلة لضمان تكافؤ بيئة العمل في المدرسة.
في السياق ذاته، كان لبرنامج حضوري الذي تم إقراره مؤخراً لضبط الحضور والانصراف لدى المعلمين في المدارس لتعزيز الانضباط ورفع الكفاءة التنظيمية آثار جانبية واضحة، أبرزها زيادة التذمر لدى المعلمين، حيث يرى معظمهم أن البقاء داخل المدارس دون القيام بحصص تدريسية فعلية يُضاعف من الضغط النفسي لديهم، ويُساهم في خفوت الحماس والدافعية لبذل الجهد المطلوب منهم تجاه طلابهم.
يكمن الحل لمعالجة الوضع القائم في المدارس من خلال إعادة تنظيم الأدوار في المدرسة على النحو
التالي:
– تفرُّغ المعلم لتدريس مادة التخصص والإعفاء من كافة المهام الإدارية والإشرافية.
– انتداب المعلم لمدرسة أو مدارس أخرى مجاورة لاستكمال نصابه من التدريس في مادة التخصص دون الانتقال بين المدارس في اليوم الواحد.
– تقيُّد المعلم بالحضور والانصراف في موعد بدء الحصص الدراسية المسندة إليه على غرار الدوام الرسمي لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات.
– تكليف الإداريين في المدرسة (المدير، الوكيل، المرشد الطلابي، رائد النشاط، أمين مصادر التعلم، المراقب) بالدوام الكامل داخل المدرسة الواحدة للإشراف على الطلاب طوال اليوم الدراسي.
ختاماً: المعلم نبراس العقول فهو من يغرس بذور المعرفة لدى الناشئة، ولن ينهض التعليم إذا لم يمنح المعلم ما يستحقه من التقدير والمكانة، ما ينعكس إيجاباً على المدرسة التي سوف تظل المكان الآمن لتلقي العلوم والمعارف، فمن خلال تظافر جهود منسوبيها تؤدي رسالتها في بناء جيل طموح يُسهم في تقدم الوطن وازدهاره.


التعليقات