الخميس ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٥ الموافق ٩ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ

من كلمات الأولين في الجنوب عن ( الضيافة ) – بقلم الدكتور عبدالله بن غرم العمري

من كلمات الأولين في الجنوب عن ( الضيافة ) – بقلم الدكتور عبدالله بن غرم العمري

‏هنا لهجات وكلمات بعضها عامية في نواحي من الجنوب – وكثير منها بمعناها في لسان العرب ..

وفيها كلمات قديمة – قد اندثر بعضها – أو كاد !
وغالب الكلمات هنا في (جانب الضيافة)
ويمكن جمع أكثر منها في الزراعة والرعي والعلاقات الاجتماعية في الزواج والعزاء والمجاملات والخصومات..؛

وقد كتبت المقطوعة التالية بذكر عدد من الكلمات التي كنت سمعتها
وجمعت فيها لهجات أو كلمات عامية في بعض تلك القرى
والاشتغال بهذا من باب الحرص على بقائها وعدم اندثارها
[وأحسب أن تقييدها مفيد
وفتح الباب لجمعها تجديد]
فيمكن أن يحذو حذو هذا آخرون فيقيّدون ويفيدون في مناطق متعددة

وقد كتبتها في [السّرد التالي] لما يؤدي إليه من بيان معانيها من خلال السّياق
ومن أعياه-بعد هذا معنى أي كلمة فله أن يسأل عنه
ولعل القارئين يشاركون في التوضيح
ومن كان عنده مزيد في هذا الباب فهو من حفظ الموروث في هذه اللغة الخالدة
وفيه فائدة للشباب بمعرفتهم تلك الكلمات ومعانيها..

‏قلت:
* هذه حِندية- كأنها من حنادي الأولين
من باب حديك واحنديك

وفيها شئ مختصر عن أخبار الضيافة عند بعض من أدركنا منهم- رحمهم الله تعالى- فمن أخبار ضيافتهم:
(ضيوف لَفَوا على طيّب الفال (الوجه)
ريّال مطلق في قومه
من أمسه إلى يومه
ولمّا وصله بيضان الوجيه من ضيوفه ودخلوا من سَلْفة السَّاحة وكان قد لفّ جماعته ونبّ فيهم وذمّل عليهم بُثُورَهُ ينادونهم للحضور:
الله يحيّيكم عندنا عشاء (مثومة)!
فاطبقوا من كل حَدَبَة..
وتلايموا واحتضوا الضيفان بالتراحيب وعلوم الطيب
‏وكان ذيبان قد انتقى السمن والسمين وحصّله
فانتبز ذاك الطلي الفارع- ولا هو بمعسْلف ولا مخسْلف- لكن:
الجمايل مالها البساطة*
مالها إلا كل صابرِ

وكأنه يقول:
ماللفتى مما ينوش إلا العنا*
سوى كسوة تزهى عليه وزاد
فاحتصى ذولاك الضيوف واحتضاهم كأنهم سيأكلون الصّوارع والدّعام
‏وصاح في عواله:
انبُغُوا يا مفاليح
تجمّلوا من الضيوف
وثبّتوا طبخ الخروف
وامنعونا من الشّرهة
ويا سعد من معه مايق زهّاه
ولما جهزوا المشاغيث والمباغيث بعد العصر
قلّط ضيفانه على القُدْمة
الله يحضّركم الشّبب
ودنوا على الصحفة بعضهم تفحشق عليها وبعضهم تقمزع
والناس ماهم سوا؛
‏فبعضهم فيه الشيمة واللزيمة
وبعضهم شيمته برأس ركبته- إذا قام انفلتت في الأرض!
فأكلوا من هذا اللّطَف والفأل
فمنهم من حشاها ودنزها حتى صار يقصع القملة عليها
وبعضهم زوهبها إلى أن صارت مثل القلّة- مزوهبة
وبعض الحاضرين اكتفى عن شغيث العصيد والمعاصيب بفطيرة تصبغها في مصبغيّة من السمن والعسل يدلبغ فيها لقمته حتى سد نهمته
ولو لقي خُبزة رَمَتَ منها قِبْعة تسد الفاقة- والفُقَه
ولقمة على فاقة: خير من مئة ناقة!

ثم ضمهم مجلس السوالف والروايا
وأخذ السيرة وإعطاها
والغالب أن يبدأ بالكلام العارف
ثمّ خذ العلوم من الطارف
وكبار السن لهم الوقار
‏وفي المتكلمين من يخوض بحارٍ وبارد
والناس في المجلس ما هم سواء؛
فواحد سديد مفيد وعلمه غانم
وآخر هلّاس ملّاس
وثالث باصم ما يخاصم

وكلما تلهّم بعض الحاضرين في رويّة سابقة أو خَبريّة من عهد الأولين تصنقب لهذا المروي عساه ينبشها ويبهشها
وبعضهم يلحق معه يقول:
أرهي لك أنها كُذِيْه
ويرد عليه هذا أو ذيه
وبعض الحاضرين مع كثرة الروايا:
يضيق وينْدفس
ومن أدنى علم ينتخس
وبعد قليل يصيح وينفحس
حتى يقول: زان امنعونا

وربما قال:
ياناس دادي بادي، خاقا باقا
ترى هذي الحكايا هليل في صليل
عودنا مثل: دلّيا قبّلا وساري ماري!
‏ترانا ملّينا من هذا الثريد
ومن كثرة الخثاريد
ومالها كيال ولا موعي!

وربما قال بعض المتكلمين ليكتمه:
لا تقْعسها يا مثْور- تراك مثل الحيد المثولث- ولّا الحيدٌ المدرمح- لا تنفع في رابط ولا زاوية
وأظن غايتك معروفة تبغى تكسح المروّي فامنعنا من الهذرمة!
وما يعرف لطني إلا ولد بطني
‏وبعدما دهمس الليل وصلّوا العشاء
قال بعض الحاضرين:
زان هيّا زنّا
نيّفوا لنا بالعشاء
وأخرجوا هذي الذبوحة نأكلها ونفلح- وامنعونا من العلَك
وبعضهم غَنضف من تأخر العشاء
والبطا خطا
وإذا كان في وقت الشتاء حرصوا على المبادرة بالعشاء على شان ما يسمط من البَرْدَة

وبعضهم يقول:
ماذا عدنا؟!
‏وانبذل خُبرة رياييل نقزوا يولمون العشاء [الله يعتّلهم]
والطبّاخ قبلهم قيم على فرد ساقه
وكان المضيف قد اختار أن يكون تقديم الخروف جِزية- أو سدية- فصرمدها المقسم على المنصد
وحطّ البداوي في المقدمة
ثم رتبها من أعلاها إلى أدناها
وكل قسمٍ صاحبه عندهم معروف
من قبل أن يذبحوا الخروف!
وعندها يعتذر المضيّف فيقدّم ضيفه باسمه مع الترحيب به ومن معه وحقه من الكرامة وما حصّل لهم من ذبايح- يلب أو يلبين
(فإن زاد شئ فتستأهلون،
وإن قلّ شئ فالمعذرة)
وشَبَرَهُم صاحب البيت في رفع لحمة الفراش- ولو ما حاكى
وقصده أنها للعوال
ولا لضيف مخطرف ما احتصوا له
مع أنه موثي بخير
وبعد أن تعشّوا وقرّت المِسعارة
وعافوا الثريف من نعمة الله الكريم دعوا للمضيف:
(كثّر الله خيرك، أخلف الله عليك)
ثم سَرَوا
وأخذوا في الطريق يتهشولون إلى البيوت
بعضهم يمشي على اسره- مهدّي السرعة
وبعضهم هريفه وهويفه كأن رجله محذاف قفاه
تقول أن وراه طرّادة
فيناديه رفيقه: ورّعْ لي
‏ورّع لي، ورّع لي
خوفه من سواد الليل
خصوصا إذا صفَقت كراعه
أو وقّع فيها شوكة أو ذنبوح!
أو لخوفه أن يتدرفا من إحدى اليهايف
خلّ لو ذلف من طفّة ولا رأس قنذلة

ومما كان يزعجهم بعد الضّيفة والسِّرية خوفهم من القذذ والبقّ:
أن يكون رافقهم حين فزّوا من مجلسهم
لأنه يندسّ بين الواحد وبين ثيابه!

فهذا مما كان يقع بين الناس في ذاك الحال
فإن قيل: مالها أساس ولا كيّال
قلت: اسأل أطرف عارف وريّال
وما سمعته أقل مما سمعه بعض القارئين
لكن لعله يفتح بابا للمشاركين
وكم فات من تلك الكلمات
ولله ملك المحيا والممات
وهذه المقالة مع الاختصار
حوت كلمات تفسّر في كتاب- لمن اختار
فمن لها؟

‏ختاما:
من المعلوم أن كلمات المقطوعة
لم تلتزم بقواعد الإعراب
وفي الأسلوب شئ من الإغراب
لكن رجحت مصلحة النشر
والله يعفو عنا الآن ويوم الحشر
ربّ اجعل قولنا سديدا
وجهدنا نافعا مفيدا
وعلّمنا ما ينفعنا
وانفعنا بما علمتنا
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله الأمين.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *