كل الدول في العالم بلا استثناء تُدرك أهمية البحث العلمي، مع التفاوت في درجة الأهمية بمقدار مستوى الوعي، فالدول الصناعية الكبرى على سبيل المثال تدعم البحث العلمي بجدارة إيماناً منها بأهميته في التقدم على كافة الأصعدة، فالاختراعات والاكتشافات التي يشهدها العالم في كافة المجالات هي محصلة للدراسات والأبحاث العلمية، فالبحث العلمي يعني دراسة حدث أو واقعة لمشكلة تظهر على السطح، يتم فيها طرح التساؤلات، وفرض الفروض، وجمع المعلومات، وتحليل البيانات، وتفسير النتائج، ونشر التوصيات.
جامعاتنا المحلية هي المؤسسة التعليمية التي تُعنى بالبحث العلمي وتطبيقاته، فقد جعلت للبحث عمادة مستقلة هي “عمادة الدراسات العليا والبحث العلمي”، يقتصر دور البحث العلمي في الوقت الحاضر على الرسائل والأطروحات لطلبة الدراسات العليا دون غيرها، ينتهي المطاف بتلك الدراسات على الرفوف كمراجع ودوريات للباحثين دون تنفيذ مخرجاتها في الواقع المحلي.
معظم الجامعات أتاحت هذا العام برامج للدبلومات في مجالات عديدة، وهي خطوة متقدمة في الاتجاه الصحيح لتزويد الطلبة بالعلوم والمعارف والمهارات في الميادين المختلفة؛ مؤسف حقاً غياب برامج البحث العلمي لدى الجامعات، لا يوجد أي أثر أو مبادرات باستحداث برامج للدبلوم متخصصة في البحث العلمي عدا كليات الخليج، هذه المشكلة تتطلب دراسة أخرى وفق قواعد البحث لمعرفة أسباب عزوف الجامعات عن إيجاد مثل تلك البرامج المهمة والمتخصصة التي يستفيد من مخرجاتها كل المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع، فإذا كانت القضايا الخاصة يتم البحث فيها عن مستشار أو قانوني لإيجاد الحلول، فإن القضايا والمشكلات العامة تتطلب الدراسات والأبحاث العلمية من خلال استشارة العقل الجمعي لتحليل المشكلة والوصول للنتائج.
من المشكلات والوقائع التي حدثت مؤخراً (مشكلة الحرائق في الغابات)، تصدَّت لها الجهات المختصة من خلال فرق الدفاع المدني لإطفاء الحرائق، أسهم المواطنون بدورهم في إيقاف اتساع مساحة الحرائق ووصولها للمنازل، أثارت تلك القضية عدة تساؤلات: هل يوجد دراسات بحثية قائمة في الوقت الحالي من خلال الجامعات في عسير والباحة على وجه التحديد بحثت أسباب تلك الحرائق بالتعاون مع الجهات ذات الاختصاص؟. وما هي حدود تلك الدراسة من الناحية المكانية والجغرافية؟. وكيف يمكن لنتائج تلك الدراسات أن تأخذ طريقها للميدان لتفادي تكرار تلك الحرائق في المستقبل؟. وما الدور المأمول من أفراد المجتمع للتعاون مع الجهات المختصة للحيلولة دون وقوعها مرة أخرى؟. وهل يوجد دوائر ومؤسسات أخرى حكومية يتوجب عليها الاضطلاع بمسؤولياتها لمنع حدوث الحرائق، وما مدى حدود تلك المسؤولية؟. تلك هي التساؤلات التي يجب أن تُطرح في حال قامت الجامعات بالبحث والاستقصاء لحل هذه المعضلة ومثيلاتها في المستقبل.
تجدر الإشارة إلى أن غياب برامج البحث العلمي في الجامعات يعود لعدة أسباب أهمها ما يلي:
– قلة المتخصصين في البحث العلمي، هذا البرنامج ليس في قائمة الدراسات الأكاديمية لمرحلة البكالوريوس أو حتى برامج الدراسات العليا كونه تخصص دقيق يدخل في كل مجال بشكل منفرد.
– مجال البحث العلمي يقتصر في الوقت الحالي على بعض المقررات الدراسية والرسائل والأطروحات في برامج الدراسات العليا للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه والترقي في الدرجات الأكاديمية للأعضاء دون غيرها.
– ندرة المساهمة من الجامعات في قضايا البيئة والمجتمع بشكل عام، عدا بعض المبادرات من خلال عرض برامج، أو التعريف بالتخصصات، أو التدريب على بعض الأنشطة.
ختاماً: عندما تحدث النوازل والكوارث الطبيعية في دول العالم المتقدمة صناعياً تتشكل على الفور فرق بحث ميدانية من ذوي الاختصاص، غالباً ما تكون مراكز الأبحاث بالجامعات، تدرس الوقائع والأحداث دراسة بحثية مستفيضة، ثم تُعرض النتائج على صاحب القرار للمصادقة عليها لكي تأخذ طريقها إلى التنفيذ؛ نتطلع أن تبادر الجامعات لتشكيل (الفريق البحثي الميداني) تحت مظلة وزارة التعليم بالتعاون مع الجهات الرسمية لكي يقوم بدوره المأمول عندما تدعو الحاجة إليه.
التعليقات
تعليق واحد على "واقع برامج البحث العلمي في جامعاتنا المحلية! – بقلم الكاتب أ. محمد آل مخزوم الغامدي"
اتمنى ارى هذه القاعدة الأساسية تكون هي أساس كل منهاج في بلادنا الحبيبة. اقتباسا. اي واقعة او تغيرا او تراجع في المجتمعات لابد ان تتلمس المجتمعات العامية الدراسات البحثية من الجامعات العلمية.