الإثنين ١٥ سبتمبر ٢٠٢٥ الموافق ٢٣ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ

تُنومَة موطِن الشاعر العداء: الشنفرى الأزدي بقلم: أ.د. صالـح بـن عـلـي أبـو عرَّاد

تُنومَة موطِن الشاعر العداء: الشنفرى الأزدي بقلم: أ.د. صالـح بـن عـلـي أبـو عرَّاد

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فسيكون حديثي اليوم عن عبارة: (تُـنُومه ديـرة الشَنْفَرَى) أو (تُـنومة موطِن الشَنْفَرَى)؛ وهما عبارتان كُنتُ قد أطلقتهما منذ عام 1436هـ، موضِحاً من خلالِهما حقيقة موطن الشاعر الأزدي الـجـاهلـي الـمعروف بالشَنـفَـرى الـذي اختلفت الروايات والـمصادر حول اسـمه الـحقيقـي وحول موطنه الذي يـنتمي إلـيه حتى قيض الله لهذا الـموضوع الشائك باحثاً جاداً ومُتمكناً هو فضيلة الـمؤرخ الشيخ المُحقق الدكتور/ عمر بـن غرامة العمروي الذي تـناول هذا الـموضوع بالـبحث والـدراسة العلمية في كتابه الذي يـحـملُ عنوان: (الشَنفَرى.. قراءةٌ جديدةٌ في أَخباره وشِعره)، الصادر عام 1436هـ/1986م عن الـنادي الأدبي في أبها ومؤسسة الانتشار العربـي في بـيـروت.

الـجديـر بالذِكر أن الـدكتور/ العمروي تصدى بـكل ثقةٍ واقتدارٍ لـما تضمنته كثيـرٌ من الـمؤلفات القديـمة والـحديثة الـمشحونة بالأوهام والـتناقُضات والـخلط والخطأ في كثيـرٍ من الـمواضع حول هذا الـموضوع، ثم أصدر مادة هذا الكتاب الفريد في فنِّه، والـذي تـناول فيه كل ما قيل عند العلماء الأوائل والـمعاصـريـن حول هذا الـموضوع بالـدراسة الـمتأنـية، والـتحـلـيـل الـمنطقـي الـناقد الذي توصّل من خلاله إلى عددٍ من الـنـتائـج الـحقيقية الـمبنية على الكثيـر من الـدلائل والـبـراهيـن القوية والـمنطقية زمانـياً ومكـانـياً.

ومن ذلك ما أشارت الدراسة من أن تسمية (الـشَنْفَـرَى) عبارةٌ عن لــقبٍ اشتُـهِر بِـه الـفارس والشاعر الـتُنومـي الأثـلـي (ثـابـت بـن مالـِك من بـنـي الـحـارث بـن ربـيعَـة بـن شَهر بـن الـحـَجْر بـن الهنــؤ بـن الأزد).

أما السبب الذي دعـاني إلى إطلاق عبارة: ((تُـنومة موطن الشَنْفَرَى)) فيـرجعُ إلى ما كشف عنه وبـيّنهُ الدكتور/ العمروي في كتابه بالـدلائل الـتاريـخية الواضحـة؛ حيث ذكر أن موطن الشَنْفَرَى الأصلـي يـتحـدّدُ في الـجهة الشـرقية من مُـحافظة تُـنومَة بنـي شَهر، وأورَد كثيـراً من أسـماء الـمواقع والأمكنة التي درج عليها (الشَنْفَرَى) ، والتي وردت في سيـرته وأشعاره مثل: [فَرَعَة سلامَان، وادي سَـروم، عَرعَرة الدوّارة، حَضن ابن العِميـر، وجبال حُضوة، وادي ذات نِيـام، …إلخ]؛ الأمر الذي يؤكدُ أنه (أثـلـيٌ، شَهريٌ، حَجْريٌ، أزديٌ).

الـجـميل في الأمر أن الدكتور العمروي أكّد هذا القول بـبيتيـن شعريـيـن أوردهما في كتـابه: (إعلامُ النُبلاء بتاريـخ تُـنُومة الزهراء.. دراساتٌ ميدانيةٌ وثائـقيـة)، ضمن قصيدةٍ شعريةٍ من نظمه (حفظه الله) تؤكد تُنُوميةُ الشَنْفَرَى؛ وفيهما يقول:

تُـنُومَةُ الـحُسنِ إن الخيـرَ منبَـــــعُـها ……. فمـاؤها العذبْ يُسقي روضة الأدبِ
منهــــا وفـيــــــهـا أبيُّ الشِعْـرِ رائدُهُ ……. الـشَنْــــــفـَرَى قــــــائـــــــــــــــــلٌ

لاميـــــةَ الـــعَــــــــربِ.

كما أن للأخ الدكتور/ خـلـيل بـن عبد الله الـحدري، أحـد أبناء أبها البهية مقطوعةً
شعريةً أنـشدها في (تُـنُومِية الشَنفرَى)، وفيها يقول:

الشَنْفَرَى رمزٌ لأرض تُـنومــــــــــة ……. سَكنـت تُـنومة في فؤاد الشَنْفَرَى
أضفت عـلـيه من الـجـَمال عذوبةً ……. وبـشعرِه غَنـى تُـنومَة وانـبــــــرى
روحان حـلَّا في ثـيابِ مـلـيــحـــةٍ ……. سبـحـانَ من خلق الجمالَ وأظهَرا

أما الأخ الشاعر/ عبد الله الأكرُمـي الشَـهري، فيقول:

تُـنومة أنـتِ عروس الـقُــــــــرى ……. أرى الـحُب فيكِ وثـيقَ الـعُرى
تـغنّـى بِـكِ الـناسُ فيما مضـى ……. فـأنتِ الـربـيعُ بـدا مُـزهِــــــــرا
رفـاق ابـن دحـمَـان كـانوا هُـنا ……. وكـان ابـنُ دِهـمان والـشَنْفَـرَى

وانطلاقاً مما سبق أوجِّه كـلامـي لِمن يـزعُمون غيـر ذلـك، أو يـُشكِـكُون فيما توصلت إلـيـه هذه الـدراسة العلمية الأدبـية الـناقدة التي خضعت للتحكيـم وحظيت بالقبول والرضا من أهل الاختصاص، وأقول لهم:

يا قوم: أربـعوا عـلى أنـفُسِكم، وتـرفقوا بها، ولا تـكونوا مُـجرد مُعتـرضيـن لغرض الاعتـراض، وتأملوا فيما كتبه سعادة الأستاذ الدكتور: عبد الـحـميد بـن سيف الـحُـسامـي (أستاذ الأدب العربي والـنقد في جـامعة الـملك خـالـد) حيث يقول:

“سـرنـي أن أطّلِع عـلى كتابٍ يُـقدِّمُ مـحاورةً أخرى لـعوالم الشَنْفَرَى أخباراً وآثاراً، وقد استمعتُ لصوتـي الشاعرِ والـباحثِ واستمتعتُ في أنٍ” ثـم يواصِلُ قائلاً في مقدمته التي كتبها للكتاب مُثنياً على قيمة البحث الـعلمية وما بذلـه الـباحث من جُهدٍ علميٍ جديـر بالتقديـر:”شاعرٌ متمردٌ، ونـصٌ أكثـر تـمرداً، وباحثٌ مكـيـنٌ يـمتلك أدوات البحث والتدقيق والتحقيق، يسبـُر أغوار النص، ويستنبطُ أحكـامه منها لا من عوالم الـمقولات الـجاهزة، لقد أُصيب الـباحث بعدوى الـتمرد فلم يستسلم للمألوف في القراءات السابقة، بل قدّم قراءةً جريـئة تـستـنِـدُ للمُعطـى الـنصي، وتـبنـي أحـكـامها على أساسه دون تـفريـط بالإشارة الـتاريـخية، أو الـموقف الـحياتـي للشاعر في تـعضيد ما يذهبُ إلـيه من أحـكـام”.

وختاماً: نسأل الله تعالى مزيد التوفيق والسدّاد والهداية والرشاد، والحمد لله رب العباد.

التعليقات

تعليق واحد على "تُنومَة موطِن الشاعر العداء: الشنفرى الأزدي بقلم: أ.د. صالـح بـن عـلـي أبـو عرَّاد"

  1. هذا الطرح لا ينهض على أساس علمي، ويحتاج إلى شواهد تاريخية ثابتة لا مجرد انطباعات أو روايات متداولة بلا تحقق. فالمؤرخ الأمين لا يكتب إلا بما تدعمه الوثائق والمصادر المعتبرة. والشاعر الشنفرى من بني واس من بللسمر، من وادي عيّاء تحديدًا، وهذه الحقيقة أثبتها جملة من المؤرخين، وعلى رأسهم الشيخ ابن ردّاد، الذي وثّق موطنه وأصله بوضوح لا لبس فيه.

    ومع كامل التقدير لشخص الدكتور أبو عراد، إلا أنه في هذه الجزئية أخطأ خطأً بيّنًا ووقع في لغط كبير، وربما اعتمد على مصادر ثانوية أو روايات مبتورة، فجانب الصواب وأعطى صورة مغلوطة. المؤسف أن هذا الخلل يتكرر لدى كثير من الكتّاب الذين يغالطون أنفسهم عمدًا أو جهلًا، متجاهلين ما أثبته الباحثون الثقات، وكأن الحقائق التاريخية أصبحت خاضعة للأهواء والتفسيرات الشخصية.

    الشواهد التاريخية على موطن الشنفرى:

    1. قال الشيخ ابن ردّاد في كتابه تاريخ وأعلام بللسمر:

    > “الشنفرى شاعر من بني واس، موطنه وادي عيّاء ببللسمر، وعاش حياته في هذه الديار قبل أن تفرقه أحداث زمانه.”

    2. وذكر الباحث محمد بن عبد الله بن حميد في كتابه شعراء الصعاليك في الجاهلية:

    > “الشنفرى الأزدي من بني الحارث بن ربيعة من بني واس من سراة عسير، موطنه وادي عيّاء، وهو من قبيلة بللسمر الحالية.”

    3. وأورد المؤرخ عبد الله بن محمد آل مفرح في بللسمر: الأرض والإنسان:

    > “تواترت الروايات جيلاً بعد جيل على أن الشنفرى من بني واس، وأرضه الأصلية وادي عيّاء، ولم يرد في المصادر المعتبرة ما يخالف هذا النسب.”

    إن تحريف التاريخ أو التهاون في نقله ليس مجرد خطأ، بل هو إساءة متعمدة للهوية وللأمانة العلمية. ومن لا يملك الحجة الموثقة فعليه أن يلزم الصمت، فالتاريخ لا يرحم من يعبث به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *