انتشرت في الآونة الأخيرة وبشكل لافت ظاهرة غلق المتاجر في عدة مدن، بحسب ما أظهرته وسائل التواصل الاجتماعي من عمليات الغلق وتصفية النشاط لبعض الأنشطة المتعلقة بالمقاهي والكافيهات، هذا الاغلاق لا يخفى على الجهات المعنية بالعمل التجاري في التجارة والعمل والبلديات، فهي من تعطي التراخيص اللازمة للبدء بالنشاط كما تمنح الإثبات عند إغلاق المنشأة وتصفية النشاط.
عندما نعود للوراء قليلاً قبل عقدين من الزمن أو ثلاثة عقود فإن واقع العمل التجاري في تلك الفترة كان مزدهراً، فالمقاهي على جنبات الطرق لخدمة المسافرين، والدكاكين أو البقالات في كل زاوية – السوبر ماركت حالياً بشكل مصغَّر – وحركة البيع والشراء على ما يرام، تتوفر السلع للمستهلك في كل مكان، قلَّما يعرض البائع محله للتقبيل، أو يتعرض للخسارة والإفلاس كما يحدث اليوم.
كنت ولا أزال أقول بأن ازدهار الحركة التجارية وعمليات البيع والشراء دليل مؤكد على السير بالاتجاه الصحيح في طريق التنمية، وأن غلق الأنشطة التجارية خسارة فادحة ليس فقط لمقدم الخدمة(البائع) أو المستهلك لها (المشتري) بل للوطن أيضاً.
عوامل عديدة أسهمت في غلق المشاريع التجارية منها ما يتعلق بنوع النشاط، فالكثير من الأنشطة لا تقوم على دراسات جدوى، يعود السبب إلى عدم الخبرة لدى أصحابها في العمل التجاري من أساسه، أو لحداثة العمل التجاري، فالعجلة بفتح المحلات التجارية مع كثرة المنافسين تجعل من الصعب البقاء حيث تكون المنافسة للأقوى.
ومن العوامل الأخرى أيضاً ارتفاع قيمة رسوم التراخيص للجهات ذات الصلة بالعمل التجاري والتجهيزات الخاصة بالمحل، وارتفاع قيمة الإيجارات للمحال التجارية مع اشتراط المؤجر تجديد العقد بشكل سنوي، هذا يمنح المؤجر فرصة رفع الإيجار على المستأجر في العام الذي يليه بما يفوق طاقته على الوفاء بالتزاماته، وقد يخضع المستأجر للقبول بالزيادة مرغماً، هذا أسهم بلا شك في الخسارة الفادحة لمعظم المشاريع التجارية.
ينعكس ارتفاع الإيجارات للمحلات التجارية على ارتفاع السلع الاستهلاكية والخدمات بشكل سالب ويتناسب معها بشكل مضطرد، في حين يؤدي انخفاض الإيجارات للمحلات التجارية إلى خفض السلع والخدمات للمستهلكين، ليس فقط في السلع الاستهلاكية بل حتى في حركة البيع والشراء للمنتجات العقارية أياً كان نوع المنتج المعروض للمتاجرة، فالتوازن بين العرض والطلب مهم لكلا الطرفين البائع والمشتري على حدٍ سواء.
للحد من عمليات الإغلاق للمنشآت التجارية مستقبلاً يتطلب تدخل الجهات الرسمية لإيجاد الحلول الجذرية للمنع أو الحيلولة دون عمليات الإغلاق، منها على سبيل المثال لا الحصر، خفض الرسوم الإدارية اللازمة لفتح المنشأة، ومنح الفرصة للمحلات الواقعة في الشوارع غير التجارية بالعمل التجاري، وايقاع غرامات تفرض كرسوم بلدية سنوية على المحلات التجارية الشاغرة كما لو كانت مشغولة لدفع أربابها على خفض الإيجارات، هذا سوف ينعكس بشكل إيجابي على المستأجر والمستهلك معاً حيث سيؤدي إلى انخفاض قيمة المنتجات والخدمات، كما سيؤدي إلى حفز المؤجر على تأجير المحلات بشكل دائم دون الاضرار بالمستأجرين لاحقاُ في رفع قيمة الايجار، ناهيك عن منع التشوه البصري في الشوارع التجارية نتيجة غلق المحلات التجارية.
التعليقات