الأربعاء ٣٠ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٣ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

مطبات صناعية – بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري

مطبات صناعية – بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري
 
 
مطبات كثيرة هي التي تمر بحياة الإنسان وتتراوح في تذكرها حسب درجة اهتمام الشخص بها، فهو لا يتذكر منها إلا ما علق في ذاكرته، وأحببت أن أروي لكم في هذه الجلسة بعضا مما علق بذاكرتي من مواقف، والهدف في النهاية هي الفائدة من الموقف الذي اكتسبته في حياتي، ولكم أنتم كذلك مواقف مشابهة أو مغايرة ارتبطت بذاكرتكم .. وإليكم أولها..

1- سافرت يوما إلى دولة خليجية، وفي ذات صباح وكعادتي أن أذهب إلى متحف الدولة التي أسافر إليها لأتعرف على تاريخها وحضارتها، وكنت احدد الفترة الصباحية حتى تكون الأجواء هادئة وبعيدة عن صخب الناس، فتوجهت عند الساعة العاشرة صباحا إلى متحف الدولة، وكان في مدخل المتحف سيارة حاكم الدولة السابق، معروضة للزوار.. دخلت بعدها الى المتحف وابتدأت بالتجول حسب المسار المحدد، ولم يكن بهذا المتحف سوى نفر قليل، فوجدت جميع الحرف اليدوية القديمة.. كل حرفة في جناح مخصص، وقد صُنع من الشمع أشكال أناس يمثلون تلك الحقبة في مهن متعددة منها الخياطة والحلاقة وصناعة شباك الصيد وإلى غير ذلك، وعندما كنت أتجول في المتحف وهو خافت الأضواء..

فجأة وجدت عددا من الأشخاص مجتمعين في زاوية من المتحف، مما شدني إلى المسارعة حتى اقتربت منهم جدا؛ لأعرف سبب تجمعهم وماذا يشاهدون في هذا المكان من المتحف، فوجدتهم طلاب مدرسة وكأنهم في المرحلة الابتدائية تقريباً مع معلمهم “معلم التاريخ”، فاستبشرت خيراً لأتعرف على مرافق المتحف أكثر من ذي قبل وأجد من يشرح صوره ومحتويات أجنحته بالتفصيل، وبقيت بجوارهم لأستمع إلى شرح هذا المعلم ووجدتها فرصة لأتعرف على تاريخ البلد على لسان أبنائه، ومما شدني لهذا الموقف كاملاً هو حديث ذلك المعلم أمام طلابه عن بلدهم، فتكلم عن تاريخ الدولة وحضارتها وانجازاتها المدعمة بصور تاريخية معلقة بجدران المتحف..

وبعد أكثر من نصف ساعة من الحديث السردي الجميل و الرائع والمتقن والمدعم بالأدلة التاريخية أيقنت فعلا أن المعلم هو من يصنع الأجيال ويغرس فيهم جميع القيم الاجتماعية والدينية والتاريخية والوطنية، وقد جعلني هذا المعلم أرسخ في عقلي مفهوم عظم هذه الدولة وعمقها في التاريخ بالرغم أني كنت لا أعرف عنها سوى اسمها فقط.. وكذلك الطلاب ومن خلال استشعاري عما تأثروا به من معلمهم اتضح لهم بأن بلادهم هي دولة ذات جذور عريقة في تاريخ هذه المعمورة، وهذا ما يجب أن يرسخه معلمونا في عقول أبنائنا ليكونوا درعاً حصيناً لدينهم وبلادهم وقيادتهم وأمتهم.

2/ لا زال الحديث عن تلك الدولة الخليجية .. وفي ذات يوم من تلك الأيام الجميلة المعتدلة في أجوائها الشتوية، وجدت مكانا جميلا هادئا عند مدخل أحد الأسواق الشعبية، فجلست على دكة تحاكي جلسات الزمن الجميل، وهو مدخل لذلك السوق، فلفت نظري ذلك الشخص الذي يرتدي الزي الخليجي في أحلى حلة وكأنه عريس أو ذاهب إلى عرس بثوبه الأبيض وشماغه الأبيض، ولم يكن بيني وبينه إلا مسافة قريبة جداً..

ومن باب الفضول سلمت عليه وأحببت التعرف بشخصه فرد السلام فوجدته من أهل ذلك البلد الجميل، طبعا كما ذكرت لكم شدني منظر شياكته التي لم أعهدها في رجل يجلس في هذا المكان، وسألته عن عمله ووظيفته حيث إنني توقعت أنه في منصب رفيع في الدولة أو رجل أعمال مرموق أو غير ذلك، إلا أنه فاجاءني برده الذي لم أكن أتوقعه ولا أنتم كذلك، لقد وجدته كداد “سائق تاكسي” ينتظر زبائن عند خروجهم من السوق عند الإقفال..

لقد ذهلت، ومن ثم قارنت بين منظر ذلك الشخص الكداد سائق التاكسي وبين “بعض” الكدادين لدينا، الذي تنعدم فيهم رؤية الملابس الأنيقة والجميلة والنظيفة والاهتمام بالمظهر الخارجي، ومن كان بحالهم فلن يكون محل استحسان الآخرين حتى لو كانت سيارته من أرقى السيارات وأجملها. ولا ننسى أن بلدنا الآن أصبح يصنف بلدًا سياحيًا وكما هو معلوم فأول ما يستقبل السائح عند وصوله لأي بلد هو ما يُكون لديه الانطباع الأولي عن ذلك البلد، ومن هنا فالمفترض أن يكون المظهر لائقًا وحضاريًا .

وللحديث بقية في مطبات قادمة.. رجائي أن تنال رضاكم واستحسانكم .

 
 

التعليقات

3 تعليقات على "مطبات صناعية – بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري"

  1. مقال رائع تُشكر عليه ،، وهذه تجربة رائعه مشوقة وواقعية ، كم اتمنى أن تصل لوزارة الثقافة- هيئة المتاحف وكذلك لوزارة التعليم للاقتباس من تلك التجربة.

  2. قصة رائعه بروعة كاتبها

  3. نقل جميل يا أبا زياد لمشاهداتك وملاحظاتك أثناء السفر تستحق ان يتعرف عليها القراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *