الخميس ١ مايو ٢٠٢٥ الموافق ٤ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

برهة من الزمن – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

برهة من الزمن – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

 

الإيثار والمحبة والتقدير أخلاق تكتسب عن طريق التربية والتعليم والتجارب. أعظم من يقدم هذه الأخلاق دون النظر للمردود هم الوالدين، فنجدهما يقدمون الغالي والنفيس ويضحون براحتهما وسعادتهما من أجل أن ينعم أبنائهما بحياة الاستقرار والسكينة. عندما يصاب أحد الأبناء بأي عارض كان فلن تجد أكثر حدبا وخوفا واضطرابا عليه من الوالدين، لكنهما مع ذلك يكتمان ألمهما وحزنهما من أجل أبنائهما. يسهران الليالي الطوال من أجل راحة الأبناء، لا يتوانون في تقديم ما يبعث الأنس والسرور لهم. يقدمون احتياجاتهم على احتاجاتهما، ولو كان في ذلك من المشقة عليهما الكثير.

وتستمر عجلة الحياة على هذا المنوال حتى يشب الصغير ويتعلم الجاهل، ويعارك الحياة، ورغم كل ذلك، إلا أنه عند أصغر عثرة قد يتعرض لها أي منهم لا يجد أقرب من حضن الوالدين فيفزع إليهما ويطلب العون والمشورة، والحماية. تتقدم الأيام ويكبر الصغير ويستقل بقراراته، ويعيش حياته على هواه ومتطلباته، ولا يتدخل الوالدان مادام الأمر في حدود المسموح به ولم يصل إلى التعدي على حقوق الآخرين.

ما يؤلم في الأمر أنه مع هذا الدوران للحياة ينسى أو يتناسى بعض الأولاد، آلام السنين وكبد المعاناة التي عاشها الوالدان، ولا يتحرك لديهم شعور بتضحيات والديهما، ولا يشغلون أنفسهم بالتفكير في تعويضهما عن بعض المعاناة بشيء يسير يدخل السرور على قلبيهما، ويشعرهما أن ما قدماه من تضحيات لم يذهب هباء.

ومن هنا .. أدعو الأبناء فأقول: أيها الأبناء لا تأخذكم مشاغل الحياة عن والديكم، وتغافلوا عن بعض احتياجاتكم وخصصوا لهما فترة يسيرة من الزمن، وتلمسوا لاحتياجات والديكم واعملوا على تحقيقها، واعلموا أنهما لن يتقدما بطلب أي شيء منكم مهما طال بهما الزمان ومهما كانت الأحوال، ولا تأخذكم الغفلة عنهما فلا تستفيقوا إلا عند فقد أحد منهما، وعندها لن تجدي قبلة اعتذار على جبين جسد مسجى، ولن تكون الحياة بعدهما كما كانت في وجودهما.

أعلم أن جميع أبناءنا ولله الحمد ممن تربوا على أرفع القيم وأعلى الفضائل، وأن موضوع البر بالوالدين قبل أن يكون واجباً دينياً ، فهو أدب مغروس في الوجدان والنفس ومتغلغل في شغاف القلوب ولن يرضى أي منهم على والديه أن تصيبه شوكة أو يعاني من أي شيء. ما أحببت قوله هنا، هو تذكير بسيط لتحريك القلوب ليزداد فيضها وحنانها، فيزيد اقترابها، وهو امتثال لقول الحق عز وجل: ” وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ”.

قال تعالى: {۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)} الإسراء

بر الوالدين رواية تكتبها أنت ويرويها لك أبناءك، فأحسن الكتابة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *