تقابل أحدهم للمرة الأولى فتتعرف عليه فتشعر بعد ذلك بالانجذاب إليه لعلّه الحب. تسمع كلمات جميلة وعبارات لطيفة فيُسعدك قائلها وتُحدث في داخلك شعوراً بالبهجة لعله الحب. تقرأ كتاباً ماتعاً فتغوص بين صفحاته وسطوره يأسرك مؤلفه بأسلوبه فتتمنى ألا تصل لنهايته لأنك مستمتع أيامًا استمتاع لعله الحب. تسافر بعيداً عن بلدك فتجد المتعة والجمال في طبيعة البلد الآخر فتهيم نفسك معه وتحلق روحك عالياً بتلك الأجواء الرائعة لعله الحب.
تفوز بصداقة شخص مهذب دمث الأخلاق فيملأ عليك أيامك بالفرح ويغمرك بالأنس لعله الحب. تخالط مشاعرك روح الامتنان والشكر والتقدير لمن اسدى لك رأياً سديداً أو قدم لك مقترحاً مفيداً لعله الحب. تخرج في نزهة برية تجلّى فيها القمر بدراً لتبثه اشواقك ومعاناتك وتصبح خديناً لليل والنجوم تسامرها وتسامرك لعله الحب. هو ذلك الحب حينما يتفجر من أعماق القلب يحيل ما تراه عادياً إلى شيء غير عادي.
ومن خالط قلبه الحب وجد الجمال والخير في طريقه. وما مشاعرنا واحاسيسنا إلا لوحة تنتظر من يُمرر ريشته عليها. فحيناً بالقول الحسن وحيناً بالفعل الطيب الذي يترك فينا اثراً لا يمكن لنا نسيانه. تتفاعل أرواحنا مع من يقترب منها وتنمو شجرة مشاعرنا حين نسقيها بالاهتمام. إنّ نفوسنا تثمر بالحب والتعامل اللطيف حين نتعرف على اسرارها وما تحبه أو تكرهه. ونحن في الأخير بشر تتشابه همومنا وطموحاتنا.
فلعل الحب يهذب شيئاً من قساوة قلوبنا ويرقق طباعنا ويقذف في داخلنا الرفق. لا يمكن لقلوبنا أن تنكر الحب او تتعامى عنه إلا لسبب قد نعلمه وقد نجهله. غير أننا بالجملة تستوقفنا اللحظات الشاعرية وتسحرنا المواقف الإنسانية التي يتجلى فيها العفو والاعتذار والثناء والشكر والإهتمام . ولعل الفارق في ذلك أنّ بعضنا اعتاد على اظهار حبه والتعبير عن مشاعره في كل وقت ومناسبة وبالذات الإيجابية منها. وبعضنا الآخر اغلق دون خفايا قلبه مزلاجاً من الصمت والكتمان ولذا يترائى لنا أنه بدون مشاعر أو لا يتفاعل ولكنه في حقيقة الأمر يكتوي بمشاعره وتُلهبه احاسيسه غير أنه لا يعبر عنها وهذا كل ما في الأمر .
حين يسكن الحب قلوبنا ويمتزج بأرواحنا فلنا أن نتخيل بعد ذلك جمال الحياة ومتعتها. قلوبنا ظامئة للكلمة الجميلة ونفوسنا متلهفة للمسات الحلوة التي يتفجر منها الرفق واللين والشكر والمساندة والدعم والتشجيع. إننا لن نعرف قيمة حياتنا الحقيقية ولن تقوى علاقاتنا ويزداد تماسكنا إلا بالحب. الذي يرسي بجذوره القوية داخل اروحنا لنتعهدها بعد ذلك بالرعاية ودوام المحافظة عليها. للحب في اعماقنا جذوة متقدة تشتعل حيناً وحيناً تخبو وتضعف.
وحالما تشتعل تبعث فينا النور فتدفىء احاسيسنا وتنير لنا الطريق. فننطلق حينها ونحن مملؤون بالأمل مشبعون بالعزيمة وقوة الإرادة وكأنما فُرشت لنا دروب الحياة بالورد والياسمين. يغمرنا شعور فياض بجمال أيامنا وبهجة اعمارنا. وعندما تخبو تلك الشعلة أو تضعف ينتابنا شعوربالضيق وانسداد الأفق وتعترينا حالة من الجفاف العاطفي الذي ينعكس بدوره على وضعنا النفسي. لتخالطنا الهموم وقد نقع بالفشل فتتسع الهوة فيما بيننا. وكأنما اصابتنا فترة قحط اظلمت معها دروبنا وخالطنا فيها اليأس والضعف.
وإن رمنا دوام سرورنا واستمرار بهجتنا وقوة علاقتنا والاستمتاع بتحقيق طموحنا وأحلامنا. فليكن الحب هو قوتنا اليومي ولغة خطابنا وعنوان تقاربنا. ليكن حاضراً في اجتماعنا وبعدنا. حاضراً بمشاعرنا وخواطر نفوسنا. حاضراً في كل وقت يظللنا حين تشتد علينا شمس الحياة. ليكون بمثابة الغيمة الماطرة التي نستظل تحتها ونستمتع بزخات مطرها. ليكن الحب هو العبارة التي تتكرر في كلامنا وخطابنا ونصحنا وتوجيهنا.
ليكن هو البوصلة التي توصلنا لغاياتنا وامنياتنا. لابد للحب أن يتواجد على الدوام في بيوتنا وطرقاتنا ومدارسنا وسائر اعمالنا. لا بد له أن يلج قلوب الجميع بلا استثناء. فنحن بدونه مجرد أشباح بلا روح. مجرد أجساد خاوية مقفرة من كل مقومات الإنسانية. إننا بدون الحب نتطاحن ونتشاحن ولا يرحم بعضنا بعضا. بدون الحب لا هوية لنا ولا معنى لوجودنا.
فلعل الحب بجماله وسحره يوقظ سبات قلوبنا الذي طالت رقدته. لعله يحيي املاً ويبعث حلماً ويوقظ قلوبا علاها الصدأ. لتعود من جديد تشم عبير الحياة وتتغنى بجمال ما تراه أو تسمعه أو تقرأه. لعل الحب حين يأتي مرة أخرى نفتح له أبواب قلوبنا فنسكنه حنايا ارواحنا ثم نغلق عليه بعد ذلك. ليدوم لنا عطره وبهاءه وروعة اشراقة وجمال حضوره.
ألا فسيحوا مع الحب فعالمه واسع رحب ودنياه ترفل بالبهجة والفرح. اجعلوا منه زاداً لكم تتقوون به على متاعب الحياة ومصاعبها. وسترون بعد ذلك غب ما اقدمتم عليه من بهجة تخالط قلوبكم وفرحة تسكن نفوسكم. وانشراحاً يملأ صدوركم.
التعليقات