كثر التنطع والتقعر، في هذا الزمان طلبا للشهرة والظهور في وسائل الاعلام، الغاية التشكيك والتلبيس في الفاظ القران، وكثر السؤال والقيل والقال في قول : ماهو الفرق بين المأوى والمثوى؟ وهل نقول: مأواه، أم مثواه الجنة؟ وبلغ الامر ما بلغ حتى وصل الى السفهاء، وكثر اللغط، والخطأ، والصحيح: انه لا حرج في الدعاء بكلاهما، فالمثوى هو الإقامة والمكث، والمأوى هو المسكن، ومكان الاستقرار.. وكره بعض اهل العلم التعبير بالمثوى عند الدعاء بالجنة؛ لأنها في القرآن تأتي في سياق أهل النار، والمأوى لأهل الجنة، ولكن الحقيقة ليس في كلاهما بأس، لأن التقييد بالجنة يصحح المعنى، وقد ورد في القرآن التعبير بالمأوى في النار، كما في قوله: ( مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) [ آل عمران 197 ]
والتعبير بالمثوى على معنى الحسن، كما في قوله تعالى ( قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبّي أَحسَنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظّالِمونَ ) [ يوسف 23 ]. وقوله تعالى: ( وَقالَ الَّذِي اشتَراهُ مِن مِصرَ لِامرَأَتِهِ أَكرِمي مَثواهُ عَسى أَن يَنفَعَنا أَو نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) [يوسف: 21 ]. ولكن التحذير من القول على الميت ذهب لمثواه الأخير؛ لأن القبر ليس بآخر الحال، وإنما هو أول منازل الآخرة، والمستقر والمثوى إما جنة وإما نار، نسأل الله الجنة لنا ولكل من شهد لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة.
وفي اللغة: المأوى معناه: المسكن والمنزل. والمستقر: المسكن؛ لأنه مكان القرار، وهو السكون والثبوت. وأما القرآن الكريم: فقد قال تعالى: ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) [آل عمران 151]، وقال تعالى: ( أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [آل عمران 162]، وقال تعالى: ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة 72]، وقال تعالى: ( فَأَمَّا مَنْ طَغَى ۞ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۞ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 37-39]، وغير ذلك من الآيات الكريمات.
وفي مثل ذلك في دعوى أن كلمة «المستقر» خاصة بالجنة؛ وقد قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ۞ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الفرقان 66]. وغاية الأمر أن المأوى أعم من المثو، فلا يلزم من كون المكان مأوى أن يقيم فيه الإنسان ويثوي إليه، لكن كل مثوى مأوى.
والخلاصة مما تقدم.. إن الدعاء للمتوفى بأن يجعل الله مثواه الجنة صحيحٌ شرعًا، ولا وجه لاختصاص المثوى بالنار؛ لا من جانب الشرع، ولا من جانب اللغة، والقول بالمنع من ذلك منشؤه التنطع والتقعر المذمومان فضلًا عن كون مدعيه جاهلًا باللغة والشرع، والله اعلم.
التعليقات